﴿الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة :1]
الحاقَّةُ يَومُ القِيامَة، فهوَ حَقيقَةٌ لا كَذِب. وفيهِ تتَحقَّقُ الأمُورُ وتَثبُتُ وتُعرَفُ على الحقيقَة. وفيهِ يتَحقَّقُ الوَعدُ والوَعيد، والثَّوابُ والعِقاب.
﴿مَا الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة :2]
وما هوَ يَومُ القِيامةِ وما صِفَتُه؟
﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة :3]
وما أعلمَكَ بالقِيامَةِ وأهوالِها وفَظائعِها؟
﴿كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِالۡقَارِعَةِ﴾ [الحاقة :4]
كذَّبَتْ قَبيلَتا ثَمودَ وعادٍ بيَومِ المَعاد، الذي يَقرَعُ النَّاسَ فيُخيفُ قُلوبَهم، ويُفزِعُهمْ بأهوالِه.
﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ﴾ [الحاقة :5]
فأمَّا ثَمودُ فقدْ أهلكَهمُ اللهُ بالصَّيحَةِ القويَّة، فأرجفَتْهُمْ وجعَلَتْهُمْ جُثَثًا هامِدَة؛ لطُغيانِهمْ وتَكذيبِهمْ نبيَّهمْ صالحًا.
﴿وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ﴾ [الحاقة :6]
وأمَّا عادٌ قَومُ هُود، فقدْ أهلكَهمُ اللهُ بريحٍ قَويَّةٍ عاصِفَة، شَديدَةِ الهُبوب.
﴿سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى الۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ﴾ [الحاقة :7]
سلَّطها عَليهمْ سَبعَ لَيالٍ وثَمانيةَ أيَّامٍ مُتَتابِعات، لم تَنقَطِعْ عَنهم، فترَى القَومَ في تلكَ الأيَّامِ واللَّيالي هَلكَى، كأنَّهمْ أعجازُ نَخلٍ خَرِبَةٍ باليَة(149) .
(149) شُبِّهوا بأعجازِ نخل، أي: أصولِ النخل، وعجزُ النخلةِ هو الساقُ التي تتصلُ بالأرضِ من النخلة، وهو أغلظُ النخلةِ وأشدُّها. ووجهُ التشبيهِ بها، أن الذين يقطعون النخلَ إذا قطعوهُ للانتفاعِ بأعوادهِ في إقامةِ البيوتِ للسُّقُفِ والعضادات، انتقَوا منه أصولَه؛ لأنها أغلظُ وأملأ، وتركوها على الأرضِ حتى تيبسَ وتزولَ رطوبتُها، ثم يجعلوها عَمَداً وأساطين. (التحرير والتنوير).
﴿فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ﴾ [الحاقة :8]
فهلْ ترَى لهمْ بَقيَّةً بعدَ هذا العَذاب؟ لقدْ هلَكوا جَميعًا.
﴿وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَالۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِالۡخَاطِئَةِ﴾ [الحاقة :9]
وجاءَ فِرعَونُ ومَنْ قَبلَهُ مِنَ الأُمَمِ الكافِرَة، وقُرَى قَومِ لُوطِ المُنقَلِبات، بالشِّركِ والمَعصيَةِ والأفعالِ الشَّنيعَة.
﴿فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً﴾ [الحاقة :10]
فَكذَّبَ كلٌّ رسولَ اللهِ إليهمْ وخالَفوه، فأخذَهمُ اللهُ بعَذابٍ شَديدٍ زائد.
﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي الۡجَارِيَةِ﴾ [الحاقة :11]
ولمَّا زادَ الماءُ وارتفَعَ حتَّى عَلا على كُلِّ شَيء، في زمَنِ نُوحٍ عليهِ السَّلام، الذي أصَرَّ قَومُهُ على الكفرِ بهِ وبرِسالَةِ ربِّهم، حمَلنا آباءَكمُ الذينَ أنتُمْ مِنْ أصْلابِهم (نُوحًا ووُلْدَه)، في السَّفينَةِ الكبيرَةِ التي صَنعَها نُوح.
﴿لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ﴾ [الحاقة :12]
لنجعلَ إغراقَ قَومِ نُوح، ونَجاةَ المؤمِنينَ منهم، عِبرَةً وعِظَةً لكم، تَدلُّ على قُدرَةِ اللهِ وقَهرِه، وعلى رأفَتِهِ ورَحمَتِه، ولتَفهمَ هذهِ النِّعمَةَ أذُنٌ تَسمَعُ وتَعي، وتَنتَفِعُ بما تَسمَع.
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ﴾ [الحاقة :13]
فإذا نَفخَ إسرَافيلُ في الصُّورِ نَفخةً واحِدَة. وهيَ النَّفخَةُ الأُولَى، التي يَكونُ عندَها خَرابُ العالَم.
﴿وَحُمِلَتِ الۡأَرۡضُ وَالۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ [الحاقة :14]
ورُفِعَتِ الأرْضُ والجِبالُ التي فيها مِنْ أماكنِها فضُرِبَتا ضَربَةً واحِدَة، فبُدِّلَتِ الأرْضُ غَيرَ الأرْض، وصارَتِ الجِبالُ مِثلَ كُثبانِ الرَّمل، بَعدَما كانتْ حِجارَةً صمَّاء.
﴿فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ الۡوَاقِعَةُ﴾ [الحاقة :15]
فيَومَئذٍ قامَتِ القِيامَة، التي لا بُدَّ مِنْ وقُوعِها كما وعدَ الله.
﴿وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ﴾ [الحاقة :16]
وتَصدَّعَتِ السَّماء، فهيَ يَومَئذٍ ضَعيفَةٌ مُتَداعيَةٌ للسُّقوط.
﴿وَالۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ﴾ [الحاقة :17]
والمَلائكةُ على جَوانبِها، ويَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهمْ ثَمانيةٌ مِنَ المَلائكة.
﴿يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ﴾ [الحاقة :18]
في ذلكَ اليَومِ تُعرَضونَ على اللهِ الذي لا يَخفَى عليهِ سِرٌّ مِنْ أسرَارِكم، ليُحاسِبَكمْ عَليها(150) .
(150) {تُعْرَضُونَ}: أي: تُسألون وتُحاسَبون. عبَّرَ عنه بذلك تشبيهًا له بعرضِ السلطانِ العسكرَ لتعرُّفِ أحوالهم. يقال: عرضَ الجندَ إذا أمرَّهم عليه ونظرَ ما حالهم. والخطابُ عامٌّ للكلّ، على التغليب. (روح البيان).
﴿فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ﴾ [الحاقة :19]
فأمَّا مَنْ أُوتيَ صَحيفةَ أعمالِهِ بيدِهِ اليُمنَى، فيَفرَحُ بفَوزِهِ ويَقول: خُذوا واقرَؤوا ما في صَحيفَتي، فإنِّي مِنَ الفائزِين.
﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾ [الحاقة :20]
لقدْ كنتُ مُوقِنًا بالبَعثِ والحِسَاب، وبالثَّوابِ والعِقاب.