تفسير سورة الأنعام

  1. سور القرآن الكريم
  2. الأنعام
6

﴿بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام:41]


بلْ تَدعونَ اللهَ ربَّ العالمينَ في وقتِ الشَّدائدِ والضَّرورات، ولا تَدعونَ أحداً سِواه، فيدفَعُ عنكمُ الضُّرّ، ويُزيلُ عنكمُ الكَرْبَ إذا شَاء، وتَتركونَ ما كنتُمْ تُشرِكونَ بهِ معَ اللهِ مِنَ الأصنام، ولا تَدْعونَها يومَ شدَّتِكم.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِالۡبَأۡسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام:42]


وقدْ أرسَلنا رُسلاً إلى أُمَمٍ كثيرينَ قبلَك، فكذَّبوهم، فعاقَبناهمْ بالقَحْطِ والضِّيقِ في العَيش، والأمراضِ والآلامِ ونَقصِ الأنفُس، لكي يَتضَرَّعوا إليَّ ويَدْعوني ويَتوبوا مِنْ كفرِهم.

﴿فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام:43]


فهلاّ لمَّا نزلَ بهمْ ابتلاؤنا تَذلَّلوا وتَضرَّعوا إلينا؟ ولكنَّهمْ أبَوا ذلكَ وبَقُوا على عِنادِهمْ وقَساوةِ قلوبِهمْ وجُمودِ عُقولِهم، واستمَرُّوا على ما كانوا عليه، وسَوَّلَ لهمُ الشَّيطانُ أنَّ ما أصابَهمْ ليسَ بسببِ ما كانوا يَعمَلونَ منَ الكُفرِ والمعاصي.

﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام:44]


فلمّا أعرَضوا عمّا ذكَّرْناهُمْ به، ونَسُوا ما وُعِظوا به، وخالَفوا ما أُمِروا بهِ منْ قِبَلِ رُسلِهم، وانهمَكوا في مَعاصيهم، حقَّ عليهمُ العَذاب، وحانَ وقتُ العِقاب، فأعطيناهمْ منَ الدُّنيا ما يَشتَهون، وجعَلناهُمْ في نِعمَةٍ ورَخاء، بدلَ الشدَّةِ والبَلاء؛ مكراً بهمْ واستِدراجاً لهم. حتَّى إذا اتَّخَموا وبَطِروا بما عندَهمْ منْ أموالٍ وأرزاقٍ ونِعَم، ولم يَقومُوا بحقِّها، عاقَبناهُمْ فَجأة، وأنزلنا بهمُ العَذابَ وهمْ غافِلون، وكانوا في قِمَّة فرَحِهمْ وسَكرَتِهم، ليَكونَ العَذابُ أوقعَ فيهمْ وأوجَع، فإذا همْ آيسِونَ منَ النَّجاةِ والرَّحمَة، أذلَّةٌ خاضِعون، ساكتونَ مُكتَئبون.

﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الۡقَوۡمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَالۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام:45]


لقدْ أُعطُوا منَ الدُّنيا ما يُريدون، ثمَّ أُخِذوا بما كانوا يَعمَلون، فاستُؤصِلوا بالعَذابِ عنْ آخِرِهم، ولم يَبقَ منهمْ أحَد. والحمدُ والشكرُ للهِ ربِّ العالمين، الذي أجرَى عليهمْ هذا الهَلاك، وخلَّصَ الناسَ مِنْ شُرورِهمْ وظُلمِهمْ وأفكارِهمُ المنحَرِفة. والمسلمُ يحمَدُ اللهَ على كفايتهِ شرَّ الظالمين.

﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ اللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ اللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ انظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ الۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ﴾ [الأنعام:46]


قلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ المكذِّبين: أرأيتُمْ لو سلبَ اللهُ سمعَكمْ فكنتُمْ صُمّاً، وسلبَ أبصارَكُمْ فكنتُمْ عُمياً، وغطَّى على قلوبِكمْ فلمْ تَعرِفوا مِنْ أمورِ الدُّنيا شَيئاً، فهو الذي خلقَها فيكم، وقادرٌ أنْ يأخُذَها منكم، فمَنْ إلهٌ غَيرُهُ يأتيكمْ بذلكَ كلِّه؟ انظرْ كيفَ نبيِّنُ لهمُ الأدلَّةَ ونُكرِّرُها لتَكونَ مَنْفَذاً لهمْ إلى التفكُّرِ والإيمان، ومعَ ذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنها ويُكذِّبونَ بها!

﴿قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ اللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا الۡقَوۡمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام:47]


وقُلْ لهمْ مُذكِّراً إيّاهمْ في آخِرِ ما يوعَظُ بهِ النَّاس، قبلَ أنْ لا يُفيدَهمْ وَعظٌ ولا تَذكير: أرأيتُمْ إذا حَلَّ بكمْ عَذابُ اللهِ ونِقمتُهُ فَجأةً مِنْ غَيرِ مُقَدِّمات، فداهمَكمْ وأخذَ على أنفاسِكم، أو مُعاينةً وأنتُمْ تَرونَهُ يَنـزِلُ بكم، ليلاً أو نهاراً، ولا قُدرةَ لكمْ على إنقاذِ أنفُسِكمْ منه، لأنَّهُ يُحيطُ بكمْ منْ كلِّ جانب، أليسَ الهلاكُ والنَّكالُ يَكونُ على القَومِ الظالمينَ المكذِّبينَ أمثالِكم؟

﴿وَمَا نُرۡسِلُ الۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۖ فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الأنعام:48]


وليسَ الهدفُ منْ إرسالِ الرسُلِ إلى الناسِ إلاّ أنْ يُبَشِّروهمْ بالخَيرِ والثوابِ الجَزيلِ لمنْ أطاعَه، ويُنذِروهمْ ويخوِّفوهمْ بالعِقابِ والعَذابِ لمنْ عصَى وأبَى. فمَنْ آمنَ بما جاءَ بهِ الرسُلُ وعَمِلَ صالحاً موافِقاً للشَّريعة، فلهمُ الأمانُ يومَ الجزاءِ عندما يَخافُ الكفَرَةُ الجاحِدون، ولا يُصيبُهمُ الهمُّ والغمُّ كما يُصيبُهم.

﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ الۡعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ﴾ [الأنعام:49]


والمكذِّبونَ بالآياتِ والمُعجِزاتِ التي بلَّغها الرسُل، تَبشيراً وإنذاراً، يُصيبُهمْ حظُّهمْ منَ العَذاب، بسبَبِ خُروجِهمْ عنْ طاعَةِ اللهِ ورسُلِه.

﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ الۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي الۡأَعۡمَىٰ وَالۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام:50]


- قُلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ مِنْ قَومِك، وهمْ يَقتَرِحونَ منَ الآياتِ ما يَقترِحون: إنَّني لا أملِكُ خَزائنَ ربِّي، ولا أقدِرُ على التصرُّفِ فيها كما أشاء، ولا أنْ أرزقَكُمْ منها ما تُريدون، ولا أقولُ لكمْ إنِّي أعلمُ الغَيبَ فأخبرُكمْ بما غابَ ممّا مضَى وبما سيَكون، ولا أعلمُ مِنْ ذلكَ سِوَى ما أطلَعَني اللهُ عليه، ولا أدَّعي أنِّي مِنَ الملائكة، بلْ واحِدٌ مِنَ البشَرِ أنعمَ اللهُ عليَّ بالوحي لأنذِرَكمْ به. ولا أخرجُ عمّا يوحَى إليَّ، فما أفعلهُ بتوجيهٍ منَ اللهِ وتَسديدٍ منه.

قلْ لهمْ: هلْ يَستَوي الضَّالُّ الذي لا يَدري كيفَ يَسير، والمُهتدي الذي يَمشي على نورٍ مِنْ ربِّه ويَعرِفُ طَريقَ الحقّ؟ إنَّهما لا يَستويان، أفلا تَتفهَّمونَ ذلك لتَرجِعوا إلى الحقِّ؟

﴿وَأَنذِرۡ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:51]


وأنذِرْ وعِظْ بهذا القُرآنِ مَنْ يؤمِنُ بيَومِ القيامَة، الذينَ يخافونَ حِسابَ ربِّهم، يَرجُونَ ثوابَهُ ويَخافونَ عِقابَه، ليسَ لهمْ وليٌّ يَنصرُهمْ ولا شَفيعٌ يَتوسَّلونَ بهِ سِوَى الله، ليتَّقوا ربَّهمْ بهذا التذْكير.

﴿وَلَا تَطۡرُدِ الَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِالۡغَدَوٰةِ وَالۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنعام:52]


ولا تُبْعِدْ عنكَ المؤمِنينَ الذينَ يَعبدونَ ربَّهمْ ويَذكرونَهُ ويَسألونَهُ صَباحَ مساء، يَبتغونَ بذلكَ وجهَهُ الكريم، في إخلاصٍ تامّ، لا رياءً ولا سُمعَة، بلْ قرِّبْهُمْ إليكَ وجالِسْهُم، فليسَ عليكَ شَيءٌ مِنْ حِسابِ أعمالِهمْ وأرزاقِهم، وكذلكَ ليسَ عليهمْ شَيءٌ مِنْ حِسابِك، فإذا أبعدتَهمْ عنكَ كنتَ مُتجاوِزاً الحقّ.

والمرادُ انتِفاءُ الطَّرد. وهوَ تَنبيهٌ ودَرسٌ للمسلِمين.

﴿وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ اللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِالشَّـٰكِرِينَ﴾ [الأنعام:53]


وكذلكَ ابتلَينا واختبَرنا الناسَ بعضَهمْ ببَعض، الفقراءَ بالأغنياءِ والعَكس، والأشرافَ بمنْ دونَهمْ وبالعكس، ليقولَ المشرِكونَ المتكبِّرونَ في أصحابِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقدْ كانَ غالبُهمْ منَ الضُّعفاءِ والعَبيدِ في أوَّلِ البِعثَة: أهؤلاءِ هَداهمُ اللهُ إلى الإيمانِ فهمُ الأحسَنُ مِنْ بينِنا، أنحنُ نكونُ تبَعاً لهمْ وهمُ العبيدُ والفقراءُ ونحنُ الرؤساءُ والأثرياء؟ اطرُدْهُمْ عنكَ فلعلَّكَ إنْ طرَدتَهُمْ أنْ نتَّبِعَك.

أليسَ اللهُ مطَّلعاً على أحوالِهمْ وضمائرِهِمْ فهَداهُمُ إلى طريقِ الحقّ، ووفَّقهُمْ إلى ما فيهِ الخير؟ أليسَ عالماً بمنْ شكرَ نِعَمَةَ الإيمانِ عليهِ فقَبِلَهُ عندَه؟

﴿وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ الرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الأنعام:54]


وإذا أتاكَ المؤمِنونَ الصَّالحون، فبشِّرْهُمْ بالسَّلامِ والأمانِ مِنْ عندِ الله، وقدْ أوجبَ اللهُ سُبحانَهُ على نفسهِ المقَدَّسة، تَفضُّلاً منهُ وإحساناً، أنَّ منِ اقترفَ منكمْ ذَنْباً وهوَ جاهِل(34)، ثمَّ استَغفرَ منهُ وتابَ إلى الله، وأقلعَ عنهُ وعَزمَ عَلى عَدمِ العَودةِ إليه، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ له، ويَرحَمُهُ برَحمتهِ الواسِعَة.

(34) قالَ مجاهد: لا يعلمُ حلالاً من حرام، فمن جهالتهِ ركبَ الذنب. وقيل: جاهلٌ بما يورثهُ ذلك الذنب، وقيل: جهالتهُ من حيثُ إنه آثرَ المعصيةَ على الطاعة، والعاجلَ القليلَ على الآجلِ الكثير. (البغوي).

﴿وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ الۡمُجۡرِمِينَ﴾ [الأنعام:55]


وهكذا نوضِّح الأدلَّةَ لبيانِ صِفَةِ أهلِ الطَّاعةِ وأهلِ الإجرام، وليَظهرَ لكَ أيُّها النبيُّ أسلوبُ تعامُلِ الآخَرِينَ معَ الرسُل، فتعامِلَهمْ بما هوَ مُناسِب.

﴿قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ الَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِۚ قُل لَّآ أَتَّبِعُ أَهۡوَآءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذٗا وَمَآ أَنَا۠ مِنَ الۡمُهۡتَدِينَ﴾ [الأنعام:56]


قلْ لهؤلاءِ المُصِرِّينَ على الشِّرك، قَطعاً لأطماعِهمُ الفاسِدة: إنَّني مُنِعْتُ وصُرِفْتُ عنْ عبادةِ الآلهةِ المزعُومة، التي لا تَسمعُ ولا تَتكلَّم، ولا تَضرُّ ولا تَنفَع. وقلْ لهم: لا أتَّبع أهواءَكمُ الزائغَة، وأفكارَكمُ الباطِلة، فإذا فَعلتُ ذلكَ كنتُ ضالاًّ، تارَكاً سَبيلَ الحقّ.

﴿قُلۡ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦٓۚ إِنِ الۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ الۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ الۡفَٰصِلِينَ﴾ [الأنعام:57]


قلْ للمُشرِكينَ أيضاً: إنَّني على حُجَّةٍ واضحةٍ وبَصيرةٍ نيِّرةٍ مِنْ دِينِ اللهِ الموحَى بهِ إليّ، وأنتُمْ قدْ كذَّبتُمْ بذلكَ وأشرَكتُم، وليسَ عندي الآنَ العَذابُ الذي تَستَعجِلونَ بهِ ليَحِلَّ بكمْ - وكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يُخَوِّفُهمْ بأنَّ اللهَ مُعاقِبُهمْ إذا كذَّبوا وخالَفوا - وما الحُكمُ والقَضاءُ في هذا وغَيرِه، وتقديمهِ وتأخيرِه، إلا للهِ وحدَه، فإنْ شَاءَ عاجلَكمْ به، وإنْ شَاءَ أخَّر، ولهُ حِكمةٌ بأيِّهما قضَى، فلهُ القَضاءُ الحقّ، وهوَ خيرُ الحاكِمين.

﴿قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ الۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَاللَّهُ أَعۡلَمُ بِالظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنعام:58]


قُلْ لهم: لو كانَ العَذابُ الذي تَستَعجِلونَهُ بيدي، لانتهَى الأمرُ منذُ زَمن، ولحلَّ بكمُ الهَلاكُ والدَّمار، وما كنتُ مُمهِلَكمْ وأنا أراكُمْ تُكَذِّبونَني وتَستهزِؤونَ بي وبما أُرْسِلْتُ به. واللهُ أعلمُ بالمشرِكينَ وحالِهم، وما يَستَحِقُّونَهُ مِنْ إمهالٍ أو تَعجيلٍ بالعَذاب، ولذلكَ لم يَجعلْ أمرَهمْ بيدي.

﴿۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ الۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي الۡبَرِّ وَالۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ الۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ﴾ [الأنعام:59]


وعندَ اللهِ وحدَهُ خَزائنُ الغَيب، فلا يَعلمُها إلاّ هو، ومنها: العذابُ الذي تَستَعجِلونه، فلا أدري هلْ يكونُ أمْ لا، وإنْ كانَ فمتَى هو؟ واللهُ سُبحانَهُ يَعلمُ كلَّ ما يَجري على الأرض، مِنْ بَرٍّ وبَحر، ويَعلَمُ عددَ ما يَسقطُ مِنْ ورقِ الشجرِ وما يَبقَى عليه، وليسَ هناكَ مِنْ أمرٍ إلاّ ويَعلمُ حركتَهُ وأحوالَه، مهما دَقَّ وأينَما كان، فلا توجَدُ حَبَّةٌ في باطنِ الأرض، مهما كانَ بَعيداً ومُظلِماً، ولا جَمادٌ أو نَباتٌ أو حَيوان، أو أيُّ شَيء، إلاّ وهوَ في علمِ اللهِ ومُدَوَّنٌ في اللَّوحِ المحفُوظ.

﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِالَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام:60]


وهوَ اللهُ الذي يَقبِضُ أرواحَكمْ إذا نِمتُمْ باللَّيل، ويَعلَمُ ما كسَبتمْ منَ الأعمالِ بالنَّهار، ثمَّ يوقِظُكمْ فيهِ بعدَ نومِكمْ باللَّيل، لتَقضُوا في الحياةِ أجلَكمُ المكتوبَ لكمْ باستِيفاءِ أعمارِكمْ بالكامِل، ثمَّ تموتونَ وتَقومونَ إلى اللهِ للحِساب، فيُخبِرُكمْ بأعمالِكمْ في تلكَ اللَّيالي والأيام، ويُجازيكمْ عليها، إنْ خَيراً أو شَرّاً.