﴿وَهُوَ الۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام :61]
وهوَ القَاهرُ المُتَعَال، الذي خضعَ كلُّ شَيءٍ لعظَمتِه، لا يُعجِزهُ شَيءٌ ممّا يُريد، ولا يَحُولُ بينَهُ وبينَ ما يُريدُهُ بعِبادهِ قوَّةٌ أو عائق. ويُرسِلُ عليكمْ مَلائكةً يُحصُونَ أعمالَكمْ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، حتَّى إذا انتَهتْ أيّامُ أحدِكمْ وحانَ أجلُ موتِه، قَبضَتْ روحَهُ ملائكةٌ مِنْ أعوانِ مَلَكِ الموت، الموكَّلِ بقَبضِ الأروَاح، وهمْ لا يُقَصِّرون، فيُنـزِلونَ روحَهُ حيثُ تَستحقّ، في عِلِّيينَ أو في سِجِّين.
﴿ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى اللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ الۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ الۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ الۡحَٰسِبِينَ﴾ [الأنعام :62]
ثمَّ رُدَّ العِبادُ بعدَ البَعثِ والحَشرِ إلى موضعِ العَرْضِ والسُّؤال، ليَحكُمَ فيهمْ ويُجازيَهمْ على أعمالِهمْ بالعَدلِ وليُّ أمرهمْ ومالكُهمْ ومالكُ يومِ الدينِ كلِّه، ولهُ القَضاءُ يومَئذٍ دونَ خَلْقِهِ كلِّهم، وهوَ - جلَّ جَلالهُ - إذا حاسبَ فحِسابهُ سَريع، يُحاسِبُ الناسَ كلَّهمْ بنَفسهِ دونَ الاستِعانةِ بأحَد، في أسرعِ زمانٍ وأقصَرِه، على كثرَتِهمْ وكثرَةِ أعمالِهم.
﴿قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ الۡبَرِّ وَالۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـٰكِرِينَ﴾ [الأنعام :63]
قُلْ: مَنْ يُخلِّصُكمْ منَ الشَّدائدِ والأهوالِ التي تُصيبُكمْ إذا كنتُمْ مُسافِرينَ في البَحرِ فأحاطَتْ بكمُ الأمواجُ مِنْ كلِّ مكان، وقَذفَتْكُمُ الرياحُ العاتيَةُ في وسَطِ البَحر، أو في صَحارَى ومَهامهِ البَرّ، أو الجبالِ العَاليةِ والأوديةِ العَميقة، أو وقَعتْ أحداثٌ طبيعيَّةٌ بقَضاءِ اللهِ وقَدَره، فاهتزَّتِ الأرضُ وانفَجرتِ البراكينُ وهاجَتِ الأعاصير، أو لازمَتْكُمُ الأمراضُ ولا عِلاج، فتلجَؤونَ إليهِ وتَستَغيثونَ بهِ سرّاً وإعلاناً، قَلباً ولِساناً، مُخلِصينَ له الدِّين، لا تَدعونَ غيرَه، وتَقولون: لئنْ أنجانا اللهُ مِنْ هذا الكَرْبِ والضائقةِ لقدَّرنا نِعَمَهُ الجَليلة، وقُمنا بحقِّها كما يَنبَغي، حامِدينَ شاكِرين.
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبٖ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام :64]
فقُلْ لهمْ: إنَّ اللهَ يُنَجِّيكمْ منْ هذهِ الكرُباتِ وغَيرِها، لكنْ بعدَ أنْ يبلِّغَكـمْ بَرَّ الأمانِ ويُعافيَكمْ ممّا أصابَكم، تَعودونَ فتُشرِكونَ في عبادتِه، ولا توفُونَ بالعَهد.
﴿قُلۡ هُوَ الۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ انظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ الۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ﴾ [الأنعام :65]
قُلْ لهمْ: إنَّ اللهَ قادرٌ على ابتلائكمْ وإلقائكمْ في المهالِك، وعلى التَّنكيلِ بكمْ بعدَ عودتِكمْ إلى الشِّرك - وقدْ نجّاكمْ ممّا أصابَكمْ مِنْ كَرْبٍ وشِدَّة - بعَذابٍ مِنْ فَوقِكم، كالصَّيحةِ والحِجارةِ والرِّيحِ والطُّوفان، أو مِنْ تحتِكم، كالرَّجْفةِ والخَسف، أو بأنواعٍ أخرَى منَ العُقوبات... أو يَخلِطَ عليكمْ أمرَكمْ ويَبُثَّ فيكمُ الأهواءَ المختَلِفة، ويُسَلِّطَ بَعضَكمْ على بَعضٍ بالعَذابِ والقَتل.
انظرْ كيفَ نَعِظُهمْ ونُنذِرُهمْ، ونبيِّنُ لهمُ الأمورَ ونُكرِّرُها، وننوِّعُها بأساليبَ مختَلِفة، ليَفهَموا ويَتدبَّروا، ويُدرِكوا ما همْ عليهِ وما هوَ مَطلوبٌ منهم.
﴿وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ وَهُوَ الۡحَقُّۚ قُل لَّسۡتُ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ﴾ [الأنعام :66]
وكذَّبَ المشرِكونَ مِنْ قومِكَ بالقُرآنِ وهوَ الكتابُ الصَّادقُ الذي لا ريبَ فيه، قلْ لهم: لستُ رقيباً عليكمْ ولا مُسَلَّطاً على قلوبِكمْ لألزِمَكـمْ بالإسْلام، إنَّما أنا رَسُولٌ مُبَلِّغ، فمَنْ شاءَ آمن، ومَنْ شاءَ كَفر، وعاقِبَةُ كلِّ ذلكَ على صَاحبِه.
﴿لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام :67]
لكلِّ خَبَرٍ حَقيقةٌ ومُنتَهًى يَنتهي إليهِ ولو بعدَ حين، ومنهُ عذابُكم، فيَتبيَّنُ الحقُّ منَ الباطِل، والصِّدقُ منَ الكذِب، إنْ عاجِلاً في الدُّنيا، أو آجِلاً في الآخِرَة، وسوفَ تَعلمونَ ذلكَ في الحالَين.
﴿وَإِذَا رَأَيۡتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ الذِّكۡرَىٰ مَعَ الۡقَوۡمِ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنعام :68]
وإذا رأيتَ المشرِكينَ يَتكلَّمونَ على القُرآنِ بالتَّكذيبِ والاستِهزاءِ والطَّعن، فاتركهُمْ ولا تُجالِسْهُمْ حتَّى يأخذوا في كلامٍ آخَر، فإذا أنساكَ الشَّيطانُ ذلكَ ثمَّ تذكَّرت، فلا تَقعُدْ بعدَها معَ القَومِ الذينَ تَجاوزوا الحقَّ بالتَّكذيبِ والمخاصَمَةِ والعِناد.
وذكرَ بعضُهمْ أنَّها مَنسوخةٌ بآيةِ السيف.
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام :69]
وليسَ على المؤمِنينَ الذينَ يَبتَعدونَ عنْ حَديثِهمْ ولا يُشارِكونَ في مَجالسِهمْ حَرَجٌ ولا إثمٌ إذا خاضَ المشرِكونَ في ذلك، ممّا يُحاسَبونَ همْ عليه، ولكنَّهمْ يُذَكَّرونَ لعلَّهمْ يَنتَهونَ عنْ ذلك؛ حياءً، أو كراهةَ مَساءَتهم.
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ﴾ [الأنعام :70]
ودَعِ الكافِرينَ الذينَ فُرِضَ عليهمْ أنْ يَدِينوا بالإسْلامِ فسَخِروا منه وعَبَثوا بهِ ولم يُبالوا، وخُدِعوا بما في الدُّنيا مِنْ لَذَّةٍ ومَتاعٍ ووَلد، حتَّى أنكَروا البَعث، فذكِّرْ بهذا القُرآن، وحذِّرِ الناسَ مِنْ نِقمةِ اللهِ وعَذابِه، حتَّى لا تُحْبَسَ نَفسٌ وتؤاخَذَ بسبَبِ عملِها السُّوء، وليسَ لها يومَ القيامَةِ ناصرٌ يلي أمرَها أو قريبٌ يَشفَعُ لها، فالأمرُ يَومئذٍ للهِ وحدَه.
ولو بَذلَتْ هذهِ النفسُ كلَّ ما تَقدِرُ عليهِ مِنْ بَذل، وفَدَتْ كلَّ فِداء، لمـَا أُخِذَ منها، ولمـَا نُظِرَ فيه، أولئكَ الذينَ اتَّخذوا دينَهمْ لهواً ولَعِباً قدْ حُوسِبوا على أعمالِهمُ السيِّئة، وحُرِموا الثَّواب، وسُلِّموا للعَذاب، فلهمْ شَرابٌ مِنْ مَاءٍ حارٍّ جدّاً يُقطِّعُ أمعاءَهم، ونارٌ عَظيمةٌ تُحرِقُ أجسادَهمْ وتأتي على أفئدتِهم، جزاءَ كُفرِهمْ وعنادِهمْ وتكذيبِهمُ الرسُل.
﴿قُلۡ أَنَدۡعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰنَا اللَّهُ كَالَّذِي اسۡتَهۡوَتۡهُ الشَّيَٰطِينُ فِي الۡأَرۡضِ حَيۡرَانَ لَهُۥٓ أَصۡحَٰبٞ يَدۡعُونَهُۥٓ إِلَى الۡهُدَى ائۡتِنَاۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الۡهُدَىٰۖ وَأُمِرۡنَا لِنُسۡلِمَ لِرَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام :71]
قلْ للمُشرِكين: أنَتركُ عبادةَ اللهِ وحدَهُ ونعبدُ أصناماً جامدةً لا تَفقَهُ ولا تَعي، ولا تَنفعُ ولا تَضُرّ، ونَرجِعُ بذلكَ إلى درَكاتِ الكُفرِ والضَّلالِ بعدَ أنْ هَدانا اللهُ بالإسلام، وأنارَ لنا سَبيلَ الإيمان، وبصَّرَنا بالحقّ، فنَكونَ كمنْ كانَ معَ جماعَة، فابتَعدَ عنهم، وسلكَ طريقاً آخَر، ومضَى هَائماً على وجهِه، قدْ ذهَبتْ بهِ مَرَدَةُ الجنِّ في المَهامهِ والقِفار، ورُفَقاؤهُ يُنادونَهُ ليعودَ إلى الطَّريقِ الصَّحيح، فيأبَى، ويختارُ الضَّلال.
قلْ لهؤلاءِ الكفّار: إنَّ هدايةَ اللهِ التي أكرمَنا بها، وهيَ الإسلام، هيَ الطَّريقُ المستَقيم، ودينُ اللهِ القويم، وقدْ أُمِرْنا بالإخلاصِ في العِبادةِ لهُ وحدَهُ لا شَريكَ له.
﴿وَأَنۡ أَقِيمُواْ الصَّلَوٰةَ وَاتَّقُوهُۚ وَهُوَ الَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [الأنعام :72]
وأُمِروا بأنْ يواظِبوا على الصَّلاة، ويَتَّقوا اللهَ في جَميعِ الأحوال، ويَبتَعدوا عنْ مُخالفتِه، فهوَ الذي تُحشَرونَ إليهِ يومَ القيامة، فيُحاسِبُكمْ على أعمالِكمْ ويُجازيكمْ عليها.
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ بِالۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ الۡحَقُّۚ وَلَهُ الۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِۚ عَٰلِمُ الۡغَيۡبِ وَالشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ الۡحَكِيمُ الۡخَبِيرُ﴾ [الأنعام :73]
وهوَ الذي خلقَ السَّماءَ والأرضَ وأبدعَ صُنعَهما على غيرِ مثالٍ سَبق، بالحقِّ والعَدل، لا عنْ عَبَثٍ وبُطلان، ويوجِدُ يومَ القيامَةِ وما فيهـا مِنْ أشياءَ بقولهِ كنْ فيَكون، كبَعثِ الأمواتِ للحِساب، فقولهُ الحقّ، صِدقاً وواقِعاً، ووَعدُهُ كائنٌ لا مَحالة، ولهُ الملكُ يومَ يُنفَخُ في الصُّورُ ليقومَ الناسُ ويَجتَمعوا في المَحشَر، ولا يَدَّعي مُلْكَ ذلكَ اليومِ لنفسهِ غَيرُه، وهوَ العالِمُ بكلِّ ما غابَ وحَضر، وبَعُدَ وقَرُب، حَكيمٌ في كلِّ ما يَفعل، خَبيرٌ بما دَقَّ وجَلَّ.
﴿۞وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الأنعام :74]
واذكرْ قولَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ لأبيهِ آزَرَ على عبادتهِ الأصنام: أتجعَلُ هذهِ الأصنامَ آلِهةً لكَ تعبدُها مِنْ دونِ الله؟ أرى أنَّكَ وقومَكَ الذينَ اتَّبَعوكَ في ضَلالٍ بيِّنٍ وبُعدٍ عنِ الحقّ، وحَيْرةٍ وجَهل.
﴿وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الۡمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام :75]
وكذلكَ نُمَكِّنُ إبراهيمَ منَ النظَرِ في مالِكيَّةِ اللهِ للسَّماواتِ والأرض، ليَستَدِلَّ بذلكَ على قُدرتهِ وعَظمتهِ ووحدانيَّتهِ في خَلْقهِ ومُلكِه، وليَكونَ منَ الراسِخينَ في العِلمِ والإيمان، مُشاهَدةً ويَقيناً.
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ الَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ الۡأٓفِلِينَ﴾ [الأنعام :76]
وكانَ إبراهيمُ مُناظِراً لقَومِه، فأرادَ أنْ يُعَرِّفَهمْ كذلكَ خطَأهمْ وجَهلَهمْ وبُطلانَ ما همْ عليهِ مِنْ عِبادةِ الكواكبِ والنُّجوم، بعدَ بيانِ بُطلانِ إلهيَّةِ الأصنام. وفي المساء، عندما بدأ ظلامُ الليلِ يَنتَشر، رأى كوكباً مُضيئاً يَطْلُع، فقالَ لقومِه: هذا ربِّي، في زَعمِكمُ الباطِل. فلمّا غابَ قال: لا أحِبُّ الأربابَ المتغيِّرينَ مِنْ حالٍ إلى حال، والربُّ دائمٌ لا يَغرُبُ ولا يَزول.
﴿فَلَمَّا رَءَا الۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الۡقَوۡمِ الضَّآلِّينَ﴾ [الأنعام :77]
فلمّا رأَى القمرَ طالِعاً قدْ شَقَّ الظُّلمةَ وانتَشرَ ضَوؤه، قال: هذا ربِّي، في زَعمِكم. فلمّا غابَ مثلَ غيابِ الكَوكب، قال: إذا لم يَدُلَّني ربِّي على الحــقّ، فسأبقَى تَائهاً ضَائعاً، مثلَ القَومِ الضالِّينَ الذينَ يَعبدونَ ما لا تَعقِل.
﴿فَلَمَّا رَءَا الشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام :78]
فلمّا رأى الشمسَ طالِعةً قدْ بَدَّدتْ ظُلمةَ الليلِ مِنْ إشراقِها، قال: هذا ربِّي، في زعمِكم، فهوَ أكبرُ مِنَ الكَوكبِ ومنَ القَمر. فلمّا غابَتْ هي الأخرَى قال: يا قوم، إنَّ هذهِ الكَواكبَ والنُّجومَ ليستْ بأرْباب، فهيَ تَطلُعُ وتَغيبُ ثمَّ تَعودُ إلى ما كانتْ عليه، فهيَ كغَيرِها منَ الأجرامِ مُسَخَّرةٌ مُقَدَّرة، لا تَملِكُ لنفسِها تَصرُّفاً، وأنا بَريءٌ مِنْ عِبادتِها، ومنْ إشراكِكمْ إيّاها في عِبادةِ الله.
﴿إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ الۡمُشۡرِكِينَ﴾ [الأنعام :79]
إنِّي قدْ توجَّهتُ بعِبادتي وأخلصتُ ديني لمنْ خلقَ السَّماواتِ والأرض، وما فيهنَّ مِنْ أجرامٍ وأحياءٍ ونَباتٍ وجَمادٍ وبِحار، مائلاً عنْ كلِّ باطِلٍ وشِركٍ في الأديانِ والعَقائدِ الفاسِدة، إلى الحقِّ والتوحيدِ الخالِص، ولستُ منَ المشرِكينَ في شَيءٍ منَ الأقْوالِ والأفْعال.
﴿وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي اللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام :80]
وجادلَهُ قومهُ في أمرِ التوحيدِ وخاصَموهُ في عبادةِ اللهِ دونَ الأصنام، فقالَ لهم: أتجادِلُونَني في أمرِ اللهِ وقدْ بصَّرني بالحقِّ وهَداني إلى التوحيد، ولا أخافُ منْ هذهِ الأصنامِ التي تَعبدونها وتَظنُّونَ أنَّها تَضُرُّ مَنْ يَستَهزِئُ بها، فهي أحجارٌ صمّاءُ صنَعتُموها بأيديكم، فإذا أصابَني شَيءٌ فمِنْ جهةِ اللهِ وبتَقديرهِ ولا علاقةَ لأصنامِكمْ بها، قدْ أحاطَ ربِّي عِلمًا بكلِّ المخلوقات، فلا يَخفَى عليهِ شَيءٌ منها ومِنْ أحوالِها، أفلا تَفقَهونَ وتَعتبِرونَ ممّا قلتُهُ لكم، فتَتركوا عبادةَ الآلهةِ الباطِلة، وتَتوجَّهوا إلى اللهِ الواحِدِ الأحَدِ في عبادتِكمْ ودُعائكم، وخوفِكمْ ورجائكم، وفي السرّاء والضرّاء؟!