﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّـٰصِحِينَ﴾ [الأعراف :21]
وحلفَ الشَّيطانُ لآدمَ وحوّاءَ باللهِ أنَّهُ صادقٌ في قَولهِ لهما، وناصِحٌ لهما بذلك، وأنَّهُ كانَ قبلَهما في الجنَّة، ويَعرِفُ مثلَ هذهِ الأمور، حتَّى خَدعَهما!
﴿فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ الۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [الأعراف :22]
فحطَّهما الشَّيطانُ مِنْ دَرجةِ الطَّاعةِ إلى حالِ المعصية، بما غرَّهما مِنَ القسَمِ وطَمَعِ الخُلودِ في الجنَّة. فلمّا أكلا مِنَ الشَّجرةِ أكلاً يسيراً ظهرتْ لهما عوراتُهما، فجعلا يَرْقَعانِ ويُلْزِقانِ عليها مِنْ ورَقِ شَجَرِ الجنَّة، ونادَاهما ربُّهما لوماً وتَوبيخاً: ألمْ أمنعْكُما مِنَ الأكلِ مِنْ تلكَ الشَّجرة، وأقلْ لكما إنَّ الشَّيطانَ ظاهرُ العداوةِ لكما فلا تُطيعاه؟
﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [الأعراف :23]
قالَ آدم وحوّاء: ربَّنا إنَّنا أضرَرْنا بأنفسِنا عندما عَصينا أمرَك، وإذا لم تَغفِرْ لنا هذا الذَّنْب، وتَرحَمْنا بالرِّضَى عنّا، فسنَكونُ منَ الهالِكين.
﴿قَالَ اهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي الۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ﴾ [الأعراف :24]
قالَ اللهُ لهما ولإبليس، مَا مَعنَاه: انزِلوا مِنَ الجنَّةِ إلى الأرضِ ليَكونَ بَعضُكمْ عدوًّا لبعض، ولكمْ في الأرضِ استقرارٌ لمدَّةٍ محدودة، في آجالٍ مَعلومَة.
﴿قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ﴾ [الأعراف :25]
قالَ اللهُ تعالى: في الأرضِ تَعيشون، وفيها تَموتون، ومنها تُنشَرونَ للبَعثِ والحِساب.
﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ التَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف :26]
يا بَني آدم، لقدْ خلَقنا لكمْ مِنَ الأنعامِ والزَّرعِ ما تجعَلونَ منهُ لباساً يُواري عَوراتِكمْ ويَسترُ أجسادَكم، وريشاً منَ الطيرِ تَتزيَّنونَ به في شُؤونٍ لكم، واعلَموا أنَّ أفضلَ ما تلبَّستُمْ بهِ هوَ التَّقوَى، منَ العملِ الصَّالحِ والبُعدِ عنِ النواهي، وما خلقَهُ اللهُ لكمْ منَ اللِّباسِ هوَ منْ حُجَجِ اللهِ وأدلَّتهِ الدالَّةِ على فَضلهِ ورَحمتهِ بكم، لتَتذكَّروا بذلكَ نعمتَهُ عليكم، وتتَّعِظوا، وتَبتعِدوا عنِ المحرَّمات.
﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ الشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ الۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا الشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف :27]
يا بَني آدم، لا يُوْقِعنَّكمُ الشَّيطانُ في الفِتنةِ والمحنَة، بأنْ يوَسوِسَ لكمْ ويحسِّنَ في قُلوبِكمُ الباطِلَ فتُطيعوه، كما فتنَ أبويكمْ آدمَ وحوّاءَ بذلكَ فأخرجَهما مِنْ دارِ النَّعيمِ إلى دارِ التعَبِ والعَناء، وتسبَّبَ في نَزعِ لباسِهما عنهما ليُظهرَ لهما عوراتِهما، وما ذلكَ إلاّ لعَداوةٍ منهُ لجنسِكم، فكونوا على حَذرٍ شَديدٍ منه، فهوَ عدوٌّ خَبيثٌ يأتيكمْ مِنْ حيثُ لا ترونَه، وهوَ وجَماعتهُ وجنودُهُ مِنَ الجِنِّ يَرونَكمْ وأنتمْ لا تَرونَهم، وقدْ جعَلنا الشَّياطينَ قُرناءَ متمكِّنينَ منْ إضلالِ الكافِرين، فاحذَروهم جميعاً.
﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِالۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف :28]
وإذا فعلَ المشرِكونَ أفعالاً مُنكَرة قَبيحة، كعِبادةِ الأصنام، والطَّوافِ بالبَيتِ عُرياً، قالوا: هكذا وَجدنا آباءَنا يَفعلون، واللهُ أمرَنا بها، فقلَّدوا عنْ جهل، وافترَوا على الله. قُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: إنَّ ما تَفعلونَهُ فاحِشَةٌ مُنكَرة، واللهُ لا يأمرُ بعَملِ الفَواحِش(43) ، بلْ هوَ سُبحانَهُ يأمرُ بمحاسنِ الأعمال، ويَحُثُّ على مَكارمِ الأخلاق، أتُسنِدونَ إلى اللهِ قولَ ما لم يَقُلْهُ، وما لا تَعلمونَ صِحَّةَ ذلكَ عنه؟!
(43) غلبتِ الفاحشةُ في الأفعالِ الشديدةِ القبح، وهي التي تنفرُ منها الفطرةُ السليمة، أو ينشأُ عنها ضرٌّ وفساد، بحيثُ يأباها أهلُ العقولِ الراجحة، وينكرها أولو الأحلام، ويستحيي فاعلُها من الناس، ويُتَسترُ من فعلِها، مثلُ البغاءِ والزّنى والوأدِ والسّرقة، ثمَّ تنهَى عنها الشرائعُ الحقّة... (التحرير والتنوير).
﴿قُلۡ أَمَرَ رَبِّي بِالۡقِسۡطِۖ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَادۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ الدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف :29]
قُلْ للمُشرِكينَ: إنَّ ربِّي يأمرُ بالعَدلِ والاستِقامة.
وتوجَّهوا إلى اللهِ في عِبادتِكمْ عندَ كلِّ صَلاة، وكُونوا مخلِصينَ له، كما أنشأكمْ ربُّكمْ ابتِداءً ولم تَكونوا شَيئاً، فستَعودونَ إليهِ يومَ البَعثِ أحياءً بعدَ أنْ مِتُّمْ وصِرتُمْ عِظاماً، ليُحاسبَكمْ على أعمالِكم، فامتثِلوا أمرَه، وأخلِصوا لهُ العِبادة، حتَّى تَفوزوا.
﴿فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيۡهِمُ الضَّلَٰلَةُۚ إِنَّهُمُ اتَّخَذُواْ الشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الأعراف :30]
وبيانهُ أنَّ هناكَ قِسماً هَداهمُ اللهُ لِما حقَّ لهمُ الهُدَى، بالاستِجابةِ لنداءِ اللهِ ورسولِه، وقِسماً أضلَّهُ الله لِما حقَّ عليهمُ الضَّلالة، فقدْ أعرَضوا عنِ الحقّ، واتَّجهوا نحوَ الشَّياطينِ وأهلِ الضَّلال، يَطلبونَ منهمُ النُّصرةَ والتأييدَ منْ دونِ الله، وهمْ يظنُّونَ أنَّهمْ على حَقّ!
فسيَعودونَ كما كانوا: فريقُ المؤمنينَ معَ آدمَ وزوجِه، وفريقُ العُصاةِ معَ إبليسَ وقَبِيلِه.
﴿۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَاشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ الۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الأعراف :31]
يا بَني آدمَ، البَسوا أحسنَ ثيابِكمْ عندَ كلِّ طَوافٍ أو صَلاة، ولا تَكونوا كقَومٍ منَ الجاهلييِّنَ الذينَ يَطوفونَ بالبَيتِ عُراة. وفي الحديثِ الصَّحيحِ الذي رَواهُ الترمِذيُّ وغَيرُه: "البَسُوا مِنْ ثيابِكمُ البَياض، فإنَّها مِنْ خَيرِ ثيابِكم...".
وذُكِرَ أنَّ بعضَهمْ كانَ لا يأكلُ دَسَماً أيّامَ الحجّ، ويَكتَفونَ باليَسيرِ منَ الطَّعام، فقالَ تعالَى ما مَعناه: وكُلوا واشرَبوا ممّا طابَ لكم، ولا تَتجاوَزوا ذلكَ بتَحريمِ الحلال، أو بالتعدِّي إلى الحرام، أو بالإفراطِ والشَّرَهِ فيه، فاللهُ لا يُحِبُّ المتعَدِّينَ فيما أحَلَّ أو حرَّم.
﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَالطَّيِّبَٰتِ مِنَ الرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف :32]
قلْ أيُّها الرسُولُ للمُشرِكين، وقدْ حرَّموا ما أحلَّ الله: مَنْ حرَّمَ الزِّينةَ التي خلقَها اللهُ لعِبادهِ منَ اللِّباسِ وكلِّ ما يُتَجمَّلُ به، ومَنْ حرَّمَ ما طابَ واستلذَّ منَ المآكلِ والمشارِب؟ قلْ هيَ مخلوقةٌ للمؤمِنينَ لكرامَتِهمْ على الله، ويشارِكُهمْ فيها الكفّار، وهيَ خالصةٌ للمؤمِنينَ يومَ القيامَة، لا يشاركهمْ فيها مَنْ كفرَ وأشرَك.
وهكذا نبيِّنُ هذهِ الأحكامَ لمنْ يَعقِلُ فيَعلَم، ويتدبَّرُ فيَفقَه، ويتَّعِظُ فيَعمَل.
﴿قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَالۡإِثۡمَ وَالۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ الۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف :33]
قلْ أيُّها النبيّ: إنَّما حرَّمَ اللهُ ما تَفاحشَ عملهُ واستُنكِر، ممّا ظهرَ منهُ أو خَفِي، وسائرَ الذُّنوبِ والمعاصي التي توجِبُ الإثمَ، وحرَّمَ التعدِّيَ على الناسِ بغَيرِ وجهِ حقّ، وأنْ تَجعلوا للهِ شَريكاً في عبادتهِ ممّا لم يُنزِلْ بهِ حُجَّةً وبُرهاناً، وأنْ تَكذِبوا على الله، فتحرِّموا أشياءَ وتُسنِدوها إليهِ وهي حَلال، أو العكس، ولا علمَ لكمْ بذلكَ أصلاً.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ﴾ [الأعراف :34]
ولكلِّ جيلٍ منَ الأجيالِ أمَدٌ مَحدود، فإذا جاءَ الوَقتُ المقدَّرُ لفَنائهمْ فإنَّهمْ لا يتأخَّرونَ عنْ أجلِهمْ ولا يَتقدَّمون؛ فلْتَتنبَّهْ إلى ذلكَ الأمَمُ الغافِلة، ولْتَستَيقظِ الأجيالُ النائمة.
﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الأعراف :35]
أيُّها النَّاس، إذا أرسلتُ إليكمْ رسُلاً منْ جنسِكمْ يُخبِرونَكمْ بأحكامي ويبيِّنونَ لكمْ أوامري، فمنْ آمنَ برِسالتِهمْ ولم يُعانِدْهم، وأصلحَ عملَهُ بفِعلِ الطَّاعات، فلا خوفٌ عليهمْ إذا خافَ الناسُ يومَ الحِساب، ولا همْ يَحزَنونَ على ما فاتَهمْ منَ الدُّنيا، فقدْ عوَّضهمُ اللهُ خيراً منها.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَاسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ النَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الأعراف :36]
والذينَ جحَدوا بما جاءَ بهِ رسُلُنا، واستَكبَروا عنِ الإيمانِ به؛ تعالياً واستِهزاءً وعِناداً، فسيَكونونَ مُلازِمينَ النار، ماكثينَ فيها أبداً، جزاءَ تَكذيبِهمْ واستِكبارِهم.
﴿فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ افۡتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يَنَالُهُمۡ نَصِيبُهُم مِّنَ الۡكِتَٰبِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوۡنَهُمۡ قَالُوٓاْ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف :37]
فليسَ هناكَ أظلمُ ممَّن تعمَّدَ الكذِبَ على اللهِ ونسَبَ إليهِ ما لم يقُلْه، أو كذَّبَ بما قالَهُ اللهُ في كتُبهِ المُنزَلة، أولئكَ الذينَ يُصيبُهمْ حظُّهمْ ممّا كُتِبَ لهمْ في اللَّوحِ المحفوظِ منَ الأرزاقِ والآجال، معَ ظُلمِهمْ وافتِرائهمْ على الله، حتَّى إذا حانَ أجلُهمْ وجاءَتْهُمُ الملائكةُ لقَبضِ أرواحِهم، قالتْ لهم: أينَ هيَ الآلهةُ التي كنتُمْ تَعبُدونَها وتدَّعونَ نُصرتَها؟ ادْعُوهمْ ليُنقِذوكمْ مِنْ عَذابِ الله!
قالوا: لقدْ ذَهبوا عنّا وغابوا ولا نَدري أينَ هم، ولم نَعُدْ نَرجُو نَفعَهم. واعترَفوا على أنفسِهمْ وأقرُّوا بأنَّهمْ كانوا على ضَلال، وأنَّهمْ عبَدوا مَنْ لا يَستَحِقُّونَ العبادة، وأنَّهمْ لم يَكونوا آلهةً أصلاً.
﴿قَالَ ادۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ الۡجِنِّ وَالۡإِنسِ فِي النَّارِۖ كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ النَّارِۖ قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف :38]
قالَ اللهُ لهمْ يومَ القيامَة: ادخلوا النارَ معَ أقوامٍ آخَرِينَ منْ أمثالِكمْ مَضَوا مِنَ الجِنِّ والإنس، كلَّما دَخلتْ أمَّةٌ منهمُ النارَ لعنَتْ ودَعَتْ على نَظيرِها في المُعتَقَد، ويلعَنُ القادةُ أتباعَهمْ لأنَّهمْ يَزيدونَهمْ عَذاباً، ويَلعَنُ التابِعونَ مَتبوعِيهمْ لأنَّهمْ كانوا سببَ ضلالِهم وعذابِهم، وهكذا.
حتَّى إذا تلاحَقوا واجتَمَعوا كلُّهم في النَّار، قالتْ آخِرُ أمَّةٍ منهمُ دَخلتِ النار - وهمُ الأتباعُ - لأُولاهُم - وهمُ المتبُوعون، مِن القادةِ والرؤساءِ -: ربَّنا إنَّ هؤلاءِ قدْ دَعَونا إلى الضَّلالِ وصَرَفونا عنِ الهُدَى، فزِدْهمْ ضِعْفَ ما يَستَحِقُّونَ منَ العُقوبةِ بالنَّار.
قالَ اللهُ تَعالَى: إنَّ لكلٍّ منَ الأتباعِ والمتبُوعينَ ضِعْفَ العَذاب، ولكنْ لا تَعلمونَ ما لكلِّ فريقٍ منْ ذلك. أمّا القادةُ فلأنَّهمْ ضَلُّوا وأضَلوا، وأمّا أتباعُهمْ فلأنَّهم كانوا في ضَلالٍ وتَقليد.
﴿وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ الۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ﴾ [الأعراف :39]
وقالَ القادةُ حينَ سَمِعوا قولَ الأتباع: فقدْ ضَللتُمْ كما ضَلَلنا، وكفرتُمْ كما كفَرنا، فنحنُ في الكُفرِ سَواء، وفي العَذابِ سَواء، وقالوا على سَبيلِ الغَضبِ والتشفِّي: فذُوقوا العذابَ جزاءَ ما كسبتُمْ بضلالِكم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَاسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ السَّمَآءِ وَلَا يَدۡخُلُونَ الۡجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الۡجَمَلُ فِي سَمِّ الۡخِيَاطِۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي الۡمُجۡرِمِينَ﴾ [الأعراف :40]
إنَّ الذينَ كذَّبوا بآياتِنا المُحْكَمة، وأحكامِنا العَادلة، واستَكبروا عنِ اتِّباعها، واحتقَروها ونَبذوها، فأولئكَ لا تُرفَعُ أعمالهُمْ للقَبول، ولا تُفْتَحُ أبوابُ السَّماءِ لاستِقبالِ أرواحِهم، ولا يَدخُلونَ الجنَّةَ يومَ القيامةِ حتَّى يَدخُلَ الجَمَلُ في ثَقْبِ الإبرَة، وهوَ ما لا يَكون. ومثلَ هذا الجزاءِ نَجزي بهِ الكافِرينَ المجرِمين.