﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٞ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشٖۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأعراف :41]
نَصيُبهمْ مِنْ جَهنَّم أنْ يَكونَ فِراشَهمُ النارُ، ومِنْ فوقِهمْ أغطيةٌ مِنْ نار، فهيَ مُحيطةٌ بهم، ومثلَ هذا الجزاءِ نَجزي بهِ الكافِرين، الذينَ أضَرُّوا بأنفُسِهمْ عندَما كذَّبوا بآياتِنا واستَكبَروا عنْ قَبولِها.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ الۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الأعراف :42]
والذينَ آمَنوا وأَتْبَعوا إيمانَهمْ بالأعمالِ الحسنةِ ولم يَستكبِروا، لا نُكَلِّفُ نَفساً إلاّ ما تَقدِرُ عليهِ وتنالُهُ بيُسرٍ وسُهولة، فأولئكَ نَصيبُهمُ الجنَّة، ماكثينَ فيها أبداً.
﴿وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ الۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا اللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِالۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ الۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف :43]
ونزَعنا ما في قُلوبِ المؤمِنينَ أهلِ الجنة مِنْ حِقدٍ وضَغِينة، وأزَلنا ما فيها مِنْ حَسَدٍ وبَغضاء، تَجري مِنْ تحتِهمُ الأنهارُ زيادةً في رَفاهيتِهمْ وسُرورِهم، وقالوا بقُلوبٍ شاكرةٍ مؤمِنة: الحمدُ للهِ الذي أرشدَنا ووفَّقنا للفَوزِ بهذا النَّعيمِ المُقيم، وما كنّا لنَهتديَ بأنفسِنا وجهودِنا لو لم يوفِّقْنا له، لقدْ كانَ حقًّا ما يَقولهُ رُسُلنا عنْ ربِّنا منَ الجزاءِ على العَملِ الصَّالحِ والوعدِ بالجنَّة.
ونادتْهُمُ الملائكةُ في تَهنِئةٍ واحتِرام: تلكَ هي الجنَّةُ التي مُنحتِموها برَحمةِ الله، وأُعطيتُموها واقتَسمتُمْ منازلَها بما كنتُمْ تَعمَلونَ مِنَ الأعمالِ الصالحةِ في الدُّنيا، فهَنيئاً لكم.
﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ الۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ النَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأعراف :44]
ونادَى أصحابُ الجنَّةِ - بعدَ الاستِقرارِ فيها - أصحابَ النارِ، تأنِيباً لهمْ وتوبَيخاً: لقدْ وجَدنا ما وعدَنا ربُّنا مِنَ النَّعيم والكرامةِ حقًّا وصِدقاً كما بلَّغَنا على ألسِنَةِ رسُلِه، فهلْ وجدتُمْ ما وعدَكمْ ربُّكمْ منَ العَذابِ والهَوانِ حقًّا؟
قالوا: نعم، قدْ وَجدناهُ حقًّا كذلك.
فنادَى مُنادٍ بينَهمْ يُسمِعُ الفَريقين: لعنةُ اللهِ على الكافِرين.
فيَزدادُ بذلكَ أصحابُ الجنَّةِ سُروراً، وأصحابُ النارِ حُزناً وغَمًّا.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَهُم بِالۡأٓخِرَةِ كَٰفِرُونَ﴾ [الأعراف :45]
إنَّهمْ الكافِرونَ الذينَ يَصرِفونَ الناسِ عنْ دينِ اللهِ كما يُعرِضونَ همْ عنه، ويَطلبونَ إمالتَهُ إلى الباطلِ ويَذُمُّونَهُ ولا يُريدونَهُ كما هو، وهمْ لا يؤمِنونَ بالبَعثِ والحِساب.
﴿وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى الۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ الۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ﴾ [الأعراف :46]
وبينَ الجنَّةِ والنارِ حاجِزٌ، وهوَ السُّورُ المضروبُ بينَهما {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [سورة الحديد: 13] يمنَعُ وصولَ أحدِ الفَريقَينِ مِنْ أهلِهما إلى الآخَر، وعلى أعالي هذا السُّورِ قومٌ استوَتْ حسناتُهمْ وسِّيئاتُهم، يَنتَظِرونَ أنْ يَقضيَ اللهُ فيهمْ بما يَشاء، ثمَّ يُدخلهمُ الجنَّةَ برحمتِه. هؤلاءِ القومُ يَعرِفونَ أهلَ الجنَّةِ وأهلَ النار بعلاماتِهمُ المميَّزة، فيُنادُونَ أهلَ الجنَّةِ في تحيَّةٍ وإكرام: سلامٌ عليكم. وهمْ لم يَدخلوا الجنَّةَ بعد، ولكنَّهمْ يطمَعونَ برحمةِ اللهِ ليَدخُلوها، فيكونُ لهمْ ذلك.
﴿۞وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَٰبِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ الۡقَوۡمِ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأعراف :47]
وإذا حُوِّلتْ أبصارُ أهلِ الأعرافِ إلى جِهةِ أصحابِ النَّار، ورأوا ما همْ فيهِ مِنْ عَذابٍ ونَكال، قالوا مُتَعوِّذينَ بالله: ربَّنا لا تجمَعْنا معَ هؤلاءِ الكفّارِ الظالمينَ في النَّار.
﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ الۡأَعۡرَافِ رِجَالٗا يَعۡرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمۡ قَالُواْ مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [الأعراف :48]
ونادَى أهلُ الأعرافِ رجالاً منْ رؤساءِ الكُفرِ وعُظماءَ كانوا في الدُّنيا، يَعرِفونَهمْ في النَّارِ بعلاماتِهم: لم يُفِدْكمْ ولم يُسعِفْكُمْ ما جَمعتُموهُ في الدُّنيا مِنْ مالٍ وأولادٍ وأتباعٍ وأنصار، وما كنتُمْ تَتعالَونَ بهِ منِ اتِّباعِ الحقِّ والإذعانِ للإسلامِ، وصِرتُمُ الآنَ في العَذابِ دونَ أنْ يَصحَبَكُمْ شَيءٌ مِنْ ذلك.
﴿أَهَـٰٓؤُلَآءِ الَّذِينَ أَقۡسَمۡتُمۡ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحۡمَةٍۚ ادۡخُلُواْ الۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ﴾ [الأعراف :49]
وقالوا للكافِرينَ أيضاً: أهؤلاءِ الضُّعفاءُ والفُقَراءُ مِنْ أهلِ الجنَّةِ الذينَ كنتُمْ تَحتَقِرونَهمْ وتَستهزِؤونَ بهمْ، وتُعَذِّبونَهمْ وتَحرِمونَهمْ مِنْ حُقوقِهم، وتَحلِفونَ أنْ لا حظَّ لهمْ مِنْ رحمةِ اللهِ أو خَيرٍ يُصيبُهم، وأنَّهمْ ليسوا أهلاً للجنّةِ حتَّى يَدخُلوها؟
ثمَّ يُقالُ لأهلِ الأعراف، أو للضُّعَفاء: ادخُلوا الجنَّةَ برحمَتي، غيرَ خائفينَ ولا مَحزُونين.
﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ النَّارِ أَصۡحَٰبَ الۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ الۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف :50]
ونادَى أهلُ النَّارِ - وهمْ في الجَحيمِ تُسَعَّرُ بهمُ النار - أصحابَ الجنَّة، وهمْ في النَّعيمِ مُتَلذِّذون: صُبُّوا علينا شَيئاً مِنَ الماء، أو ممَّا رزقَكمُ اللهُ مِنْ طَعامِ الجنَّة، فيقولونَ لهم: إنَّ اللهَ حرَّمَ ماءَ الجنَّةِ وطعامَها على الكافِرين.
قالَ سعيدُ بنُ جُبيرٍ رحمَهُ اللهُ في هذهِ الآية: يُنادي الرجلُ أباهُ أو أخاهُ فيقول: قدِ احتَرقتُ، أفِضْ عليَّ منَ الماء. فيُقالُ لهم: أجيبُوهم. فيقولون: إنَّ اللهَ حرَّمَهُما على الكافِرين.
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَاۚ فَالۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ﴾ [الأعراف :51]
همُ الكافِرون، الذينَ اتَّخَذوا دينَ اللهِ الذي أُلزِمو باتِّباعه، هُزْءاً وسُخريَة، بدلَ أنْ يَستقبِلوهُ بصدْقٍ وجِدّ، فاستحلُّوا وحرَّموا كما تُملي عليهمْ أهواؤهم، واغترَّوا بزينةِ الدُّنيا، وشَغلتهُمْ شهواتُها وزَخارِفُها عنِ الآخِرَة، فأعرضوا عنها ونَسُوها، واليومَ نَتركهُمْ في العَذابِ ولا نلتَفِتُ إليهم، ونعامِلُهمْ معاملةَ مَنْ نَسِيَهم، مثلما نَسُوا همْ لقاءَ هذا اليومِ العَظيم، ومثلما أنكَروا آياتِنا العَظيمةَ في الحياةِ الدُّنيا، وهي حُجَجُ اللهِ التي احتجَّ بها عليهم، من الأنبياءِ والرسلِ والكتبِ وغيرِ ذلك، فكانتْ حُجَّةً عليهم.
﴿وَلَقَدۡ جِئۡنَٰهُم بِكِتَٰبٖ فَصَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ عِلۡمٍ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف :52]
وقدْ أنزَلنا القُرآنَ وبيَّنا معانيهِ مِنَ العقائد، وفصَّلنا أحكامه، معَ ما فيهِ مِنْ مَواعظَ وقَصَص، ووَعدٍ ووَعيد، ونحنُ على عِلمٍ بوجهِ تَفصِيله، فجاءَ مُحكَماً مُبيَّناً وحُجَّةً على الكافِرين، وهِدايةً إلى الحقّ، وخَيراً وسَعادةً للمؤمِنين.
﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِالۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ الَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ﴾ [الأعراف :53]
إنَّ الكافِرينَ الذينَ لا يُؤمِنونَ بالقُرآن، لا يَنتظِرونَ سِوَى ما أخبرَ بهِ مِنَ العَذاب، فهوَ ما يَؤولُ إليه، وهوَ بيانُ صِدقهِ بظُهورِ ما أخبرَ بهِ منَ الوَعدِ والوَعيد، وعِندما يأتي هذا التأويلُ الرَّهيب، وهوَ يومُ القيامة، يقولُ الذينَ تركوهُ وراءَ ظُهورهِمْ وأعرَضوا عنهُ عندَما كانوا في الدُّنيا: لقدْ تبيَّنَ أنَّ رُسُلَ اللهِ الذينَ كنَّا نستَهزِئُ بهمْ ونُحارِبُهمْ قدْ جاؤوا بالحقّ، فهلْ لنا مِنْ أولياءَ ونُصراءَ يتوسَّلونَ لنا لنتخلَّصَ مِنْ هذا العَذاب، أو نُرَدُّ إلى الدُّنيا فنؤمِنَ ونُطيعَ ونعملَ صالحاً، ولا نكذِّبَ بآياتِ ربِّنا.
لقدْ خَسِروا أنفسَهُمْ عندَما رفَضوا الحقَّ فعرَّضوها للهَلاكِ والعَذاب، وذهبَ عنهمْ ما اتَّخذوهُ مِنْ آلهةٍ وشُركاءَ لله، ولم تَنفَعْهُمْ شَيئاً.
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ اسۡتَوَىٰ عَلَى الۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي الَّيۡلَ النَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَالشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ الۡخَلۡقُ وَالۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأعراف :54]
إنَّ خالِقَكُمْ ومالِكَكُمْ هوَ الإلهُ الذي خلقَ السَّماواتِ السبعَ والأرضَ في ستَّةِ أيام.
قال سعيدُ بنُ جبيرٍ رحمَهُ الله: كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ قادِراً على خَلقِ السَّماواتِ والأرضِ في لمحةٍ ولحظَة، فخَلقهُنَّ في ستَّةِ أيام، تعليماً لخلقهِ التثبُّتَ والتأنِّيَ في الأمور.
ثم استوَى ربُّنا على العَرْش، على الوجهِ الذي عَناه، كما يَليقُ بجلالهِ سُبحانَه.
ثمَّ يأتي اللَّيلُ على النَّهارِ شَيئاً فشَيئاً حتَّى يُغطِّيَهِ بظلامِه، وكذا يَفعَلُ النهارُ باللَّيلِ بضِيائه، وكلٌّ منهما يَطلُبُ الآخَرَ طَلباً سَريعاً وكأنَّهُ يَتعقَّبه، ليَخْلُفَه، فيَجيءُ هذا ويَذهبُ ذاك، وهكذا باستِمرار.
وخلقَ اللهُ الشمسَ والقمر، والنجوم، وكلُّها مُذَلَّلاتٌ بأمرِه، لا يَمتَنِعُ عليهِ شَيءٌ ممّا خَلَق. فلهُ الخَلْقُ لأنَّهُ خالِقُها ومالِكُها، ولهُ الأمرُ لأنَّهُ يُدَبِّرُها ويَتصرَّفُ فيها بما يَشاء، فتعالَى اللهُ وتمَجَّدَ مالكُ الخلقِ أجمَعين.
﴿ادۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ الۡمُعۡتَدِينَ﴾ [الأعراف :55]
ادعوا ربَّكمْ واسْألوهُ في تذلُّلٍ وخُضوع، وفي السرِّ وبخَفضِ الصَّوتِ؛ ففي ذلكَ استِكانةٌ وخُشوعٌ وإخلاص، واللهُ لا يُحِبُّ المتَجاوِزينَ الحدَّ، في الدُّعاءِ وغيرِه، فلا تَطلُبوا ما لا يَحِقُّ لكم، ولا يَليق، ولا يَصلُح، أو ما يَستَحيلُ حصولُه، أو أنْ تَدعوا بمَعصِية...
﴿وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي الۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَادۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ اللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الأعراف :56]
ولا تُفسِدوا في الأرضِ بالمعَاصي والتعدِّي على حُقوقِ الناسِ، وتَغييرِ الأنساب، والكذبِ على الله، وسائرِ أنواعِ الفَساد، بعدَ أنْ أصلحَها اللهُ ببَعثِ الرسُل، والشَّريعةِ المُحكَمة. وادعوهُ خوفاً منْ غضَبِهِ وعِقابِه، وطمَعاً في رَحمتهِ ومَغفِرَتهِ وثَوابِه، فإنَّ ثوابَ اللهِ قَريبٌ مِنْ عِبادهِ المتَّبعِينَ لأمرِه، الخائفينَ مِنْ عذابِه.
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرۡسِلُ الرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ الۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ الثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ الۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف :57]
وهوَ اللهُ الذي يَبعَثُ الرياحَ مُبَشِّرةً بالمطَر، حتَّى إذا حملتِ الرِّياحُ الغيمَ المثقَّل ببُخارِ الماء، دَفَعناهُ إلى بلدٍ مُجدِبٍ لا نباتَ فيه، فأنزلنا بهِ المطَر، فأنبَتنا بهِ النَّباتَ والشجَر، وأخرَجنا الثَّمراتِ مِنْ كلِّ أنواعِها، وكما نُحيي الأرضَ بعدَ موتِها، فكذلكَ نُحيي الأجسادَ بعدَ أنْ تَصيرَ رَميماً، لتَعلموا أنَّ الذي يَقدِرُ على هذا، قادرٌ على ذاك، وهو القادِرُ على كلِّ شَيء.
﴿وَالۡبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ﴾ [الأعراف :58]
والأرضُ الكريمةُ الطيِّبةُ يَخرجُ نباتُها حَسَناً غزيرَ النَّفع، بمشيئةِ اللهِ وتَيسيره، والأرضُ الخبِيثة، كالسِّباخِ ونحوِها، لا يَخرُجُ نباتُها إلاّ قَليلاً وما لا خيرَ فيه. كذلك نبيِّنُ الآياتِ الباهِرَةَ(44) التي تدلُّ على قُدرةِ الله، ونكرِّرُها، لمنْ يفكِّرُ فيها، ويَعتبرُ منها، فيَشكرُ اللهَ على نِعَمِه.
(44) نبيِّنُ آيةً بعدَ آية، ونُدلي بحجَّةٍ بعدَ حجَّة، ونضربُ مثَلاً بعدَ مثَل. (الطبري).
﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ اعۡبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ﴾ [الأعراف :59]
ولقدْ أرسَلنا نوحاً نبيًّا مِنْ عندِنا إلى قَومِه، وقدِ انتَشرَتْ بينهمْ عبادةُ الأصنام، وكانوا في بِلادِ العِراق، فقالَ لهمْ مُنَبِّهاً ومُحَذِّراً: أيُّها القوم، اعبُدوا اللهَ وحدَهُ ولا تُشرِكوا به شَيئاً، فليسَ لكمْ إلهٌ يَستَحِقُّ العِبادةَ غيرُه، فإذا أصرَرتُمْ على عبادةِ الأوثانِ ولم توَحِّدوا ربَّكمْ وتَعبدوه، فإنِّي أخشَى أنْ يُصيبَكمْ عَذابٌ منهُ عَظيم.
﴿قَالَ الۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الأعراف :60]
قالَ الرؤساءُ والكُبراءُ مِنْ قومِه: إنَّنا نَراكَ بَعيداً عنِ الحقِّ عندَما تَدعُونا إلى تركِ عِبادةِ الأصنام، فعلى هذا كانَ آباؤنا مُقيمِين، ولا نُصَدِّقُ نبوَّتك.