ولا يُنفِقُ هؤلاءِ المجاهِدونَ نَفَقة، قليلةً كانتْ أو كَثيرة، ولا يَتجاوزونَ في السَّيرِ إلى الأعداءِ واديًا، إلاّ أُثبِتَ لهمْ ذلكَ في صَحائفِ أعمالِهم، ليُجزَوا عليها أحسنَ وأفضَلَ الجَزاء، في يَومٍ أحوجَ ما يكونُ فيهِ النَّاسُ إلى الحسَنات.
وإذا ما أُنزِلَتْ سُورَةٌ منْ سُوَرِ القُرآنِ على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم، قالَ بعضُ المنافِقينَ لبَعضِهمْ استهزاءً: أيُّكمْ ازدادَ بها إيمانًا ويَقينًا؟
وأمَّا الذينَ في قُلوبِهمْ شَكٌّ ونِفاق، فزادَتْهمْ شَكًّا إلى شَكِّهم، ونِفاقًا إلى نِفاقِهم، لأنَّهمْ يَكفُرونَ بما أُنزِلَ كما كفَروا بما أُنزِلَ سابقًا، واستَمرُّوا حتَّى ماتُوا على الكُفر.
ألا يَرى هؤلاء المنافِقونَ أنَّهمْ يُختَبَرونَ ويُبتَلُونَ في كلِّ عامٍ منَ الأعوامِ مرَّةً أو مرَّتَين، بالأمراضِ والشدَائد، أو الغزوِ والجِهاد، فيَظهَرُ نِفاقُهم، ونَقضُهمْ لعهودِهم، ثمَّ لا يَرجِعونَ عنْ نِفاقِهم، ولا يتَّعِظونَ بما يُصيبُهمْ ويَفضَحُ أمرَهم، ولا يَعتَبِرونَ بما حولَهم، منَ النَّصرِ والظَّفَرِ الذي مَنَّ اللهُ بهِ على رَسولهِ وعلى المؤمِنين؟
وإذا ما أُنزِلَتْ سورةٌ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَرِهَ المُنافِقونَ أنْ يَسمَعوا كلامَ الله، فتَلَفَّتَ بعضُهمْ إلى بَعض، وقالوا: هلْ يَراكمْ أحَدٌ إذا قُمتُمْ منْ هذا المَجلِس؟ ثمَّ ولَّوا جميعًا مُنصَرِفين؛ لشدَّةِ كراهَتِهمْ للقُرآن، وبُغضِهمْ لمجالسِ الإيمان، صَرَفَ اللهُ قُلوبَهمْ عنِ الإيمانِ بحسَبِ انصرافِهمْ عنْ ذلك المجلِس، ذلكَ بأنَّهمْ قومٌ جاهِلون، أو حَمقَى غافِلون، لا يَفهَمونَ ما يُصلِحُهمْ ممّا يَضرُّهم.
والعَرْشُ أعظمُ المخلوقات، لا يَعرِفُ مقدارَ عظَمتِهِ إلاّ الله. قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما السَّماواتُ السبعُ معَ الكُرسيِّ، إلاّ كحَلْقَةٍ مُلقاةٍ بأرضِ فَلاة، وفَضلُ العَرشِ على الكُرسيِّ كفَضلِ تلكَ الفَلاةِ على الحَلْقَة". رواهُ ابنُ حِبّان في صَحيحه.