تفسير سورة التوبة

  1. سور القرآن الكريم
  2. التوبة
9

﴿وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ اللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [التوبة:121]


ولا يُنفِقُ هؤلاءِ المجاهِدونَ نَفَقة، قليلةً كانتْ أو كَثيرة، ولا يَتجاوزونَ في السَّيرِ إلى الأعداءِ واديًا، إلاّ أُثبِتَ لهمْ ذلكَ في صَحائفِ أعمالِهم، ليُجزَوا عليها أحسنَ وأفضَلَ الجَزاء، في يَومٍ أحوجَ ما يكونُ فيهِ النَّاسُ إلى الحسَنات.

﴿۞وَمَا كَانَ الۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة:122]


وما صَلَحَ الأمرُ ولا استَقامَ أنْ يَخرُجَ جميعُ المؤمنينَ إلى الغَزو، لأنَّ هناكَ مَصالِحَ أخرَى تَتعطَّلُ بذلك، فهَلاّ خرجَ مِنْ كلِّ جَماعةٍ كبيرةٍ منهمْ عُصبَةٌ تَحصُلُ بهمُ الكفاية، ويُقيمُ الباقُونَ فيَتعلَّموا أحكامَ الدِّين، وما أُنْزِلَ مِنْ وحي على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا رَجَعَ المُجاهِدونَ منْ كلِّ قَومٍ علَّموهمْ ما تَعلَّموا، ليَتذَكَّروا ويَحذَروا ويَعرِفوا أحكامَ الدِّين، وما أمرَ اللهُ بهِ ونهَى عنه.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَاعۡلَمُوٓاْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الۡمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:123]


أيُّها المؤمنون، قاتِلوا الكفّارَ الذينَ يَلونَكم، الأقرَبَ فالأقرَب، ولْيَجِدوا في قِتالِكمْ لهمْ شِدَّةً وجُرأة وعُنفًا، واعلَموا أنَّ اللهَ معَ مَنِ اتَّقاهُ بالعَونِ والنُّصرَة.

﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنٗاۚ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [التوبة:124]


وإذا ما أُنزِلَتْ سُورَةٌ منْ سُوَرِ القُرآنِ على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم، قالَ بعضُ المنافِقينَ لبَعضِهمْ استهزاءً: أيُّكمْ ازدادَ بها إيمانًا ويَقينًا؟

فأمّا المؤمِنونَ فقدْ زادَتهُمُ الآياتُ القُرآنيَّةُ إيمانًا وتَصديقًا، وهمْ يَستَبشِرونَ خَيراً بنزولِها، لأنَّها تَزيدُ مِنْ حَسناتِهمْ ودرَجاتِهم.

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ﴾ [التوبة:125]


وأمَّا الذينَ في قُلوبِهمْ شَكٌّ ونِفاق، فزادَتْهمْ شَكًّا إلى شَكِّهم، ونِفاقًا إلى نِفاقِهم، لأنَّهمْ يَكفُرونَ بما أُنزِلَ كما كفَروا بما أُنزِلَ سابقًا، واستَمرُّوا حتَّى ماتُوا على الكُفر.

﴿أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة:126]


ألا يَرى هؤلاء المنافِقونَ أنَّهمْ يُختَبَرونَ ويُبتَلُونَ في كلِّ عامٍ منَ الأعوامِ مرَّةً أو مرَّتَين، بالأمراضِ والشدَائد، أو الغزوِ والجِهاد، فيَظهَرُ نِفاقُهم، ونَقضُهمْ لعهودِهم، ثمَّ لا يَرجِعونَ عنْ نِفاقِهم، ولا يتَّعِظونَ بما يُصيبُهمْ ويَفضَحُ أمرَهم، ولا يَعتَبِرونَ بما حولَهم، منَ النَّصرِ والظَّفَرِ الذي مَنَّ اللهُ بهِ على رَسولهِ وعلى المؤمِنين؟

﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ ثُمَّ انصَرَفُواْۚ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ﴾ [التوبة:127]


وإذا ما أُنزِلَتْ سورةٌ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَرِهَ المُنافِقونَ أنْ يَسمَعوا كلامَ الله، فتَلَفَّتَ بعضُهمْ إلى بَعض، وقالوا: هلْ يَراكمْ أحَدٌ إذا قُمتُمْ منْ هذا المَجلِس؟ ثمَّ ولَّوا جميعًا مُنصَرِفين؛ لشدَّةِ كراهَتِهمْ للقُرآن، وبُغضِهمْ لمجالسِ الإيمان، صَرَفَ اللهُ قُلوبَهمْ عنِ الإيمانِ بحسَبِ انصرافِهمْ عنْ ذلك المجلِس، ذلكَ بأنَّهمْ قومٌ جاهِلون، أو حَمقَى غافِلون، لا يَفهَمونَ ما يُصلِحُهمْ ممّا يَضرُّهم.

﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِالۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [التوبة:128]


لقدْ بعثَ اللهُ فيكمْ رسُولاً رفيعَ القَدْر، عظيمَ الشَّأن، تَعرِفونَ حسَبَهُ ونسَبَه، وهوَ مِنْ أشرَفِكمْ وأفضَلِكمْ، شاقٌّ وصَعبٌ عليهِ أنْ يَرَى أذًى وضررًا يَلحَقُكم، أو عَذابًا يُصيبُكم، حريصٌ على هدايتِكمْ وصَلاحِكم، وما يَنفَعُكمْ في دُنياكمْ وآخِرَتِكم، كثيرُ الرَّحمةِ بالمؤمِنين، رَحيمٌ بالمُطيعينَ منكمْ والمُذنِبين.

﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ اللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ الۡعَرۡشِ الۡعَظِيمِ﴾ [التوبة:129]


فإنْ أعرَضوا عنِ الإيمانِ بك، وعمّا جئتَهمْ بهِ منَ الشَّرعِ العَظيم، فلا تأبَهْ بهم، وامْضِ في تَبليغِ رِسالةِ ربِّك، وقُل: اللهُ يَكفيني جميعَ ما أهَمَّني، وهوَ مُؤيِّدي وناصِري، لا إلهَ غيرُه، بهِ وَثِقْت، وعليهِ اعتَمدت، وإليهِ فوَّضتُ أمري، وهوَ ربُّ العَرشِ العَظيم.

والعَرْشُ أعظمُ المخلوقات، لا يَعرِفُ مقدارَ عظَمتِهِ إلاّ الله. قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما السَّماواتُ السبعُ معَ الكُرسيِّ، إلاّ كحَلْقَةٍ مُلقاةٍ بأرضِ فَلاة، وفَضلُ العَرشِ على الكُرسيِّ كفَضلِ تلكَ الفَلاةِ على الحَلْقَة". رواهُ ابنُ حِبّان في صَحيحه.