وليستِ اليهودُ ولا النصارَى براضينَ عنكَ أبداً أيُّها النبيّ، ولو قدَّمتَ إليهمُ الأدلةَ تِلْوَ الأدلة، أو تَوَدَّدْتَ لهمْ ما تودَّدَت، فلا يَنْقُصُهُمُ الاقتناعُ بأنَّكَ على الحقّ، إنَّما هوَ المعاندةُ والتعصُّب، فَلَنْ يَرْضَوْا عنكَ حتَّى تَعتنِقَ دينَهُم، وتَتَّبِعَ أَقْوَالَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ، وتَترُكَ ما معكَ منَ الحقّ! فَدَعْ طَلَبَ ما يُرْضِيهِمْ ويوافِقُهم، وأقبِلْ على طَلَبِ رضا اللهِ بدعوتِهم إلى الحقّ، فإنَّ الدينَ الصحيحَ الكاملَ هو ما بعثكَ اللهُ به، وما عداهُ فليسَ بِهُدًى، ولا مساومةَ على الإيمانِ الحقّ، في صغيرٍ منهُ أو كبير، فمنْ شاءَ فليؤمنْ بذلك، ومنْ أرادَ غيرَ ذلكَ فهوَ حُرّ. فإذا تابعتَهُمْ في آرائهمُ الزائفة، ومقولاتِهُم الفاسدة، وطرائقِهُمُ الملتوية، بعدَ ما نزلَ عليكَ الوحْيُ، وعلمتَ أنَّ دينكَ هوَ الصَّحيح، فقدْ مِلْتَ عنِ الهُدَى، ولنْ يَكونَ اللهُ والياً أمرَك، ولا ناصرَكَ ومؤيِّدَك، ولنْ يدفعَ عنكَ عقابَه.
وهذا مِنْ بابِ التهيِيجِ والإلهاب، ولا يُتَوَهَّمُ إمكانُ اتِّباعهِ صلى الله عليه وسلم لهم، ولكنَّهُ تنبيهٌ لأمَّتهِ على الحذرِ مِنْ أهلِ الكتاب، الذينَ لا يُفيدهمْ أيُّ تنازلٍ بالحوارِ وغيرِه، ولن يَرْضَوْا إلا بالانضواءِ تحتَ مظلَّةِ دينِهم.