إنَّما مثَلُ هذهِ الحياةِ الدُّنيا في زينَتِها ونَعيمِها، واغترارِ النَّاسِ بها، وسُرعةِ انقِضائها وفَنائها، كمَطَرٍ أنزلناهُ على الأرْض، فرَوَّى نباتَها وشجَرَها، فكَثُرَ بهِ الزَّرعُ والثَّمَر، ممّا يأكلُهُ الناسُ مِنَ الحُبوبِ والثِّمار، وما تأكلُهُ الدَّوابُّ مِنَ الحَشيشِ والمَراعي، حتَّى إذا أكملتِ الأرضُ حُسنَها وبَهجَتَها، وتَزيَّنتْ وتَنضَّرت، واكتَسَتْ بالخُضرَةِ والجَمال، وظنَّ أصحابُها الذينَ زرَعوها وغَرَسُوها أنَّهمْ مُتمَكِّنونَ مِنْ حَصادِها وقَطفِ ثِمارِها، جاءَها أمرُنا بإهلاكِها، بغَرْقِ زَرعِها، وإتلافِ ثمارِها، في لَيلٍ أو في نَهار، زمنَ غَفلَتِهمْ أو عندَ يَقْظَتِهم، وجعَلناها يَبابًا كأنَّها محصودَةٌ منْ أصلِها، وكأنَّها لم تَكنْ خضراءَ غنَّاءَ بالأمسِ القَريب.
وبمثلِ هذا نُبيِّنُ الأدلَّة، ونذكُرُ الأمثِلَة، لقَومٍ يَعقِلونَ فيَتفكَّرون، ويَتدبَّرونَ فيَعتَبِرون. فاغتِرارُ النَّاسِ بالدُّنيا كَثير، معَ أنَّ زَوالَها سَريع، والعِبرةُ بما يَبقَى لا بما يَفنَى، والحَسرَةُ لا تَنفَعُ يومَ الدِّين.