ورفَعَ يوسُفُ أبوَيهِ على السَّريرِ وأجلسَهُما معَهُ تَكريمًا لهما، وسجَدَ لهُ أبواهُ وإخوَتُهُ - وكانوا أحدَ عشَرَ شَخصًا - سُجودَ تَحيَّةٍ وتَكريم، لا سُجودَ عِبادَة، تَعظِيمًا وتَوقيرًا لهُ عَليهِ السَّلام.
وقدْ يَكونُ السُّجودُ بوَضعِ الجِباهِ على الأرض، أو بالانحِناءِ والتَّواضُع. وكانَ ذلكَ جائزًا في الأُمَمِ الماضِية، ثمَّ نُسِخَ في شَريعتِنا، فلا سُجودَ إلاّ للهِ تعالَى.
والتفَتَ يوسُفُ إلى أبيهِ مُذَكِّرًا إيّاهُ بالحُلُمِ الذي رآهُ وهوَ غُلام، وقال: يا أبتي، هذا تأويلُ رؤيايَ التي قَصَصتُها عَليكَ مِنْ قَبل: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [سورة يوسُف: 4]. فالشمسُ والقمَرُ الأبَوان، والأحدَ عشرَ كَوكبًا إخوَتُه. وقدْ جعلَ اللهُ هذهِ الرُّؤيا حقًّا وصِدقًا، وأنعمَ اللهُ عليَّ ولطَفَ بي عِندَما أخرجَني مِنَ السِّجن، وجاءَ بكمْ منَ البادِيةِ إلى الحَضَر، بعدَ أنْ أفسدَ الشَّيطانُ بَيني وبينَ إخوَتي بالحسَدِ والبُغض، إنَّ رَبِّي ذو لُطفٍ وحِكمَةٍ في تَدبيرِ ما يَشاء، وهوَ عَليمٌ بما يُصلِحُ الناسَ، حَكيمٌ بما يُقَدِّرهُ لهمْ وعَليهم.