كانَ أمرُ الصومِ في شهرِ رمضانَ أوَّلاً يختلفُ شَيءٌ منهُ عمّا شُرِعَ مِنْ بعد، فكانَ مَسموحاً للصائمِ أنْ يأكلَ ويَشرَبَ ويَنكِحَ بعدَ الإفطارِ ما لم يَنَم، فإذا نامَ حَرُمَ عليهِ ذلك. وهذا التحريمُ يَنالُ الذي لم يُفْطِرْ أيضاً، فلو نامَ ولم يُفْطِرْ لم يَجُزْ لهُ الإفطارُ بعدُ. فشقَّ ذلكَ على الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم، وأُغميَ على رَجلٍ منهم، كما وقعَ بعضُهمْ على نسائه، فنـزلتِ الآيةُ الكريمة، ففَرِحوا فرَحاً شَديداً، وفيها:
لقدْ أحَلَّ اللهُ لكمُ الجِماعَ في ليلةِ الصيام، فأنتُمْ سَكَنٌ وسِترٌ لنِسائكم، تَلمَسوهنَّ وتُضاجِعوهنَّ ولا تَصبِرونَ عنهنَّ مع كثرةِ ملابَستِكمْ لهنّ. وهنَّ كذلك.
وقدْ عَلِمَ اللهُ أنَّكمْ كنتُمْ تَخونونَ أنفُسَكمْ وتُعَرِّضونَها للعِقابِ بمواقعَتِهنَّ وقدْ نُهيتُمْ عنْ ذلك، فتابَ عليكمْ عندما تُبتُمْ منْ ذلكَ وعَفا عنكم، فلا بأسَ الآنَ منْ مباشرتِهنّ، واطلبوا ما قدَّرَهُ اللهُ لكمْ منَ الذرِّية.
وكُلوا واشرَبوا في الليلِ حتَّى يتبيَّنَ لكمْ بَياضُ النَّهارِ مِنْ سَوادِ الليل، وهوَ الفَجر، ثمَّ أكمِلوا صومَكمْ مِنْ هذا الوقتِ حتَّى يَحِينَ المَغرِبُ مِنَ الليل.
ولا تُجامِعوا نساءَكمْ وأنتُمْ مُقيمونَ في المساجدِ بنيَّةِ الاعتِكاف، إذا خَرجتُمْ منها إلى البيوتِ لحاجَة.
وتلكَ الأحكامُ المذكورةُ في الصِّيامِ والاعتِكافِ حُدودٌ حَدَّها اللهُ فلا تَقرَبوها، فَضلاً مِنْ أنْ تَتجاوزوها. فلا تَقرَبوا الحدَّ الحاجزَ بينَ الحلالِ والحرامِ خشيةَ أنْ تَقعوا فيه. وهوَ مبالغةٌ في النهي عنْ تخطِّيه.
وهكذا يبيِّنُ اللهُ الأحكامَ المشروعةَ للناسِ بوضوحٍ ليَهتدوا بها، ولئلّا يُخالِفوا أوامرَهُ ونَواهيه.