قالَ لهُ داودُ عَليهِ السَّلام: لقدْ جارَ عَليكَ عندَما طلبَ مِنكَ أنْ تَضُمَّ نَعجتَكَ إلى نِعاجِه، وإنَّ كثيرًا مِنَ الشُّرَكاءِ الذينَ تَختَلِطُ أموالُهمْ يَظلِمُ بَعضُهمْ بَعضًا، وخاصَّةً الأقوياءَ منهمْ مِنْ أهلِ الدُّنيا، إلاّ المؤمِنينَ الصَّالِحين، فإنَّهمْ يَبتَعِدونَ عنِ الظُّلمِ والعُدوان، وأمثالُ هؤلاءِ قَليلون.
وعَلِمَ داودُ أنَّنا اختبَرناه، فقدِ اختفَى الخَصمانِ مِنْ عندِه، ولعلَّهما كانا مَلَكَين، فتَذكَّرَ داودُ مَجلِسَ الحُكم، وأنَّهُ لم يُوَجِّهْ إلى الطَّرَفِ الآخَرِ سُؤالاً ولم يَستَفسِرْ منهُ عنْ سبَبِ ضَمِّ نَعجَةِ خَصمِهِ إلى نِعاجِه، وكانَ عَليهِ أنْ يتَثبَّتَ ويُكمِلَ أُصولَ القَضاء، فأسرَعَ إلى السُّجودِ لرَبِّهِ مُستَغفِرًا، ورَجعَ وتَاب.
وفي آخِرِ هذه الآيةِ سَجدَة. وقدْ جاءَ في حَديثٍ صَحيحٍ رواهُ ابنُ خُزَيمَةَ وغيرُه، قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهما: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ الله، إنِّي رَأيتُ في هذهِ اللَّيلَةِ فيما يَرَى النَّائم، كأنِّي أُصَلِّي خَلفَ شَجرَة، فرَأيتُ كأنِّي قرَأتُ سَجْدَة، فسَجَدتُ، فرأيتُ الشجَرَةَ كأنَّها تَسجدُ بسُجودِي، فسَمعتُها وهي ساجِدَةٌ، وهيَ تَقول: اللهمَّ اكتُبْ لي عندَكَ أجرًا، واجعَلْها لي عندَكَ ذُخرًا، وضَعْ عَنِّي بها وِزْرًا، واقْبَلْها منِّي كما قَبِلْتَ مِنْ عَبدِكَ داود.
قالَ ابنُ عبَّاس: فرَأيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قرَأ السَّجدَةَ ثمَّ سجَد، فسَمِعتُهُ يَقولُ مثلَما قالَ الرَّجُلُ عنْ كَلامِ الشجَرَة.