أيُّها المؤمِنون، تَباعَدوا عنْ كثيرٍ مِنَ الظنّ، فإنَّ بعضَ ظَنِّ المؤمِنِ بأخيهِ ذَنبٌ يَستَحِقُّ عليهِ العُقوبَة، وهوَ أنْ يَظُنَّ بأهلِ الخَيرِ شَرًّا.
وبَيانُ الظنِّ المَنهيِّ عنه، هوَ أنْ يقعَ في النَّفسِ شَيءٌ مِنْ غَيرِ دَلالة. وفي وصيَّةٍ مِنَ السَّلف: "ضَعْ أمرَ أخيكَ على أحسَنِهِ ما لم يأتِكَ ما يَغلِبُك، ولا تَظُنَّ بكَلمَةٍ خرَجَتْ مِنْ أخيكَ المسلمِ شَرًّا وأنتَ تَجِدُ لها مِنَ الخَيرِ مَحمَلاً". ويَحرُمُ سُوءُ الظنِّ ممَّنْ شُوهِدَ منهُ السِّترُ والصَّلاح، أمَّا مَنْ جاهرَ بالفِسقِ والفُجورِ فلا يَحرُمُ سُوءُ الظنِّ به. ولعلَّ هذا تَعليلٌ لكلمَةِ "بَعض" في الآيَة. وقالَ ابنُ كثير: "لأنَّ بَعضَ ذلكَ يَكونُ إثمًا مَحضًا، فَليُجتَنَبْ كثيرٌ منهُ احتياطًا". وقالَ الشَّيخُ عبدُالحميدِ كشك في تَفسيرِه: "هذا أعلَى أُسلوبٍ وأدَقُّه، حيثُ قال: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ} فإنَّ مِنَ الظنِّ ما هوَ مَطلوب، كالاحتياطِ في دَفعِ الأذَى عنِ النَّفسِ والمال".
ولا يتَجسَّسْ بَعضُكمْ على بَعض، فلا يَبحَثوا عنْ عَوراتِ المسلِمينَ ومَعايبِهم، ويَستَكشِفوا عمَّا ستَروه.
ولا يَذكُرْ بَعضُكمْ بَعضًا بما يَكرَه، فهذا مِنَ الكبائر، وهوَ يؤدِّي إلى التَّباغُضِ والشِّقاقِ في المُجتمَعِ المؤمِن. أيُحِبُّ أحَدُكمْ أنْ يأكُلَ لحمَ أخيهِ وهوَ مَيِّت؟ فإنَّكمْ تَكرَهونَ ذلكَ وتَعافُونَهُ وتَبغُضونَه، فابغُضوا غِيبَتَهُ كذلك، فإنَّ ذِكْرَ المَرءِ أخاهُ الغائبَ عنهُ بسُوء، بمَنزِلَةِ أكلِ لَحمِهِ وهوَ مَيِّتٌ لا يُحِسُّ به.
واخشَوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَه، وتُوبوا إليه، فإنَّهُ كثيرُ قَبولِ التَّوبَة، رَحيمٌ بالمؤمِنينَ منهم.