لقدْ كانَ لكمْ قُدوَةٌ حسنَةٌ في نَبيِّ اللهِ إبراهيمَ وأتباعِهِ المؤمِنين، إذْ قالوا لقَومِهمُ المُشرِكين: تَبرَّأنا منكمْ ومِنَ الأصْنامِ والكَواكبِ التي تَعبُدونَها مِنْ دونِ الله، كفَرنا بدينِكمْ وأنكَرنا طَريقتَكم، وقدْ وجبَتِ العَداوَةُ والبَغضاءُ بينَنا وبينَكمْ ما دُمتُمْ على كُفرِكم، حتَّى تُوَحِّدوا اللهَ وتَعبُدوهُ وَحدَهُ لا شَريكَ له، إلاَّ ما جاءَ مِنْ قَولِ إبراهيمَ لأبيهِ الكَافِر: سأستَغفِرُ لك، ولا أملِكُ سِوَى الدُّعاءِ لك، ولا أقدِرُ على رَدِّ عَذابِ اللهِ عنكَ إنْ عصَيتَهُ وأشرَكتَ به.
وقالَ هوَ والمؤمِنونَ معَهُ مُتبَرِّئينَ مِنْ قَومِهمُ الكافِرين، مُفَوِّضينَ أمرَهمْ إلى رَبِّهم: اللهمَّ إنَّنا اعتمَدنا عَليك، وإليكَ رجَعنا في أُمورِنا كُلِّها، ومَرجِعُنا إليكَ في يَومِ القِيامَة.
وقَصدُ إبراهيمَ مِنَ الاستِغفارِ لأبيهِ هوَ طلبُ الهِدايَةِ له، ويَجوزُ هذا مادامَ الأبُ على قَيدِ الحياة، ولا يَجوزُ الاستِغفارُ لهُ بعدَ مَوتِهِ إذا ماتَ على الكُفر، وقدْ تبرَّأَ إبراهيمُ مِنْ أبيهِ بعدَ مَوتِهِ كافِراً ولم يَستَغفِرْ له، قالَ اللهُ تَعالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [سورة التوبة:114].