ومِنْ أسبابِ استِحقاقِ الرِّجالِ أكثرَ مِنَ النساءِ في الميراث، أنَّ لهمُ القَوَامةَ عَليهنَّ. وهيَ القيامُ بالمصالحِ والتدبيرِ والتأديب، وذلكَ بما فضَّلَ اللهُ الرجالَ على النساءِ في أمورٍ عِدَّةٍ مُستَنْتَجةٍ ومُشاهَدة، ولذلكَ كانتِ النبوَّةُ مُختَصَّةً بالرِّجال، وفيهمْ مِنَ الصِّفاتِ والخصائصِ ما يُؤهِّلُهمْ لأعمالٍ ووظائفَ لا تَقْدِرُ عليها النِّساء، أو أنَّها غيرُ مُناسِبةٍ لهنَّ أصلاً، كالجِهاد، والإمامةِ الكبرى، والأَذان، والخُطبة، والشَّهادةِ في الحدودِ والقِصاص، وتَحَمُّلِ الدِّيَةِ في القَتلِ الخطأ، والوِلايةِ في النِّكاحِ والطَّلاقِ والرَّجعة، وعددِ الأزواج، وجوانبَ كثيرةٍ في الحزمِ ورَزانةِ الرأي. وكذلكَ بما يُنفقونَ مِنْ أموالِهم، منَ المهرِ والنفَقةِ على النِّساءِ وعلى الأسرَةِ جميعِها، وأمورٍ أخرَى أوجبَها اللهُ عليهمْ في كتابهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم.
والصالحاتُ مِنهُنَّ مُطيعاتٌ للهِ تَعالَى وقائماتٌ بحقوقِ أزواجِهنّ، ويَحفظْنَ أنفسَهنَّ عمّا يَشينُها أثناءَ غيابِ أزواجِهِنَّ عَنهنّ، ويَحْفَظْنَ أموالَهم، وكلَّ ما يَجِبُ عليهنَّ حِفْظُه، وذلكَ بما حَفِظَ اللهُ لهنَّ عليهمْ منَ المهرِ والنفَقة، والقيامِ بحفظِهنَّ والذبِّ عنهنّ.
والنِّساءُ اللَّواتي تَظنُّونَ أو تَتخَوَّفونَ عِصيانَهنَّ وتَرَفُّعَهُنَّ عنْ مُطاوعتِكم، وبُغْضَهُنَّ لكم، أي متَى ظَهرتْ لكمْ إشاراتٌ وأماراتٌ تَدلُّ على هذا الموقِفِ مِنهنّ، فانصَحُوهنَّ وخَوِّفُوهنَّ عاقبةَ ما يُقْدِمْنَ عليه، فإذا لم تَنفَعْ مَعَهنَّ النصيحةُ فلا تَبيتُوا مَعهنَّ على فُرُشِهنَّ ولا تُجامِعوهنّ، واترُكوهنَّ مُفرَدات، فإنَّ ذلكَ شَديدٌ عَليهنّ، فإذا لم يَرتدِعْنَ بأسلوبِ الموعِظةِ والهِجْران، فلكمْ أنْ تَضْرِبوهنَّ ضَرباً غيرَ مؤذٍ كثيراً، بحيثُ لا يَتْرُكُ فيهنَّ عَيباً ظاهِراً، فيَكونُ ضَرْبَ أدَبٍ لا ضَرْبَ انتِقام، فالمقصُودُ الإصلاح. ويَتجَنَّبُ ضَرْبَ الوَجهِ والمَهالِك، يَعني المواضِعَ المـَخُوفَة، كما يَتجنَّبُ المواضِعَ المُستَحسَنةَ لئلاّ يُشَوِّهَها. والأَولَى الاكتِفاءُ بالتَّهديدِ وعدَمُ الضَّرب، لِمَا قالَتْهُ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "ما ضرَبَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا قَطُّ بيدهِ، ولا امرَأةً، ولا خادِمًا، إلاّ أنْ يُجاهِدَ في سَبيلِ الله". رواهُ مُسلِم.
فإنْ أطعنَكمْ وعُدْنَ إلى ما كُنَّ عليهِ منَ العِشرةِ الطيِّبةِ مَعكم، فدَعُوهنَّ ولا تُؤذُوهنَّ ولا تَهجُروهنّ، بلْ سامِحوهنَّ وعاشِروهنَّ بالمعرُوف، واحذَروا ظُلمَهنّ، فإنَّ اللهَ وليُّهنّ، وهوَ أقدرُ عَليكمْ مِنكمْ على مَنْ تحتَ أيديكم، وهوَ يَنتَقِمُ على مَنْ بَغَى عليهنَّ ولو بعدَ حِين.