حَرَّمَ اللهُ عَليكمْ أكلَ الحيَوانِ الذي ماتَ حَتْفَ أنفِه، والدمَ المسفوحَ منه، ولحمَ الخِنـزير، وكلُّهُ نَجَس، وذُكِرَ اللحمُ لأنَّهُ مُعظَمُ المقصُود، وما رُفِعَ الصوتُ بهِ لغَيرِ اللهِ عندَ ذَبحِه، كقولِهمْ باسمِ اللاّتِ والعُزَّى، والذي يموتُ بالخَنق، والذي يُضرَبُ حتَّى يموت، والذي يَتردَّى مِنْ مكانٍ عالٍ فيَموت، والذي يموتُ بسبَبِ نَطحِ غيرهِ له، وما عدا عليهِ السَّبُعُ فأكلَ بعضَهُ فماتَ بسبَبِ ذلك، إلا ما أدركتُمْ ذَبحَهُ ممّا ذُكِرَ قبلَ أنْ يَموت، منَ المُنخَنِقةِ والموقُوذةِ والمُترَدِّيةِ والنَّطِيحةِ وما أكلَ السَّبُع.
ويَحْرُمُ ما ذُبِحَ منها على النُّصُب، وهي أحجارٌ كانتْ منصوبةً حولَ الكعبة، وكانتِ العربُ تَفعَلهُ في الجاهليَّة.
وحَرَّمَ عليكمُ الاستِقسامَ بالأزلام، وهوَ طلبُ القَسْمِ والحُكْمِ مِنْ قِداحٍ كانَ يُكتَبُ على واحدٍ منها "افعَلْ"، وعلى الثاني "لا تَفعَلْ"، ولا شَيءَ على الآخَر، فيأتَمِرُ بها الجاهليّ، فإنْ كانتِ الفارغةَ أعاد.
والقِدْحُ قِطعةُ خَشَبٍ تُسَوَّى، لا ريشَ لها ولا نَصْل.
فالتعاملُ بالأزلامِ ضَلالٌ وجَهالةٌ وشِرْك، وإذا تردَّدَ المؤمنُ في أمرٍ تعبَّدَ واستَخار.
وقدْ قَوِيَ دينُ الإسلامِ واكتَمل، فلا مَطمَعَ لمُشرِكٍ في أنْ تَعودوا إلى الشِّركِ بعدَ اليوم، فلا تَخافوا منْ مخالَفتِكمْ إيّاهم، ولا مِنْ أنْ يَظهروا عليكم، بلْ خافوا مِنْ عُقوبتي إذا خالفتُمْ ما أمرتُكمْ به، وتمسَّكوا بحَبليَ المتينِ لأجعلَكمْ فوقَهمْ في الدُّنيا والآخِرَة.
وفي يومِ عَرَفةَ مِنْ حِجَّةِ الوَداعِ نَزلتْ هذهِ السُّورةُ العَظيمة، ومنها هذهِ الآيةُ الكريمة. اليومَ أكمَلتُ لكمْ دينَ الإسلام، فلا تَحتاجونَ إلى دِينٍ ولا مَذهبٍ سِواه، ولا تَحتاجونَ إلى نبيٍّ بعدَ نبيِّكمْ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فهوَ خاتمُ الأنبياء، ودينُكمْ آخِرُ الأديان، وناسخٌ لِما سبقَهُ منها، فلا يؤخَذُ حُكمٌ إلاّ منه.
والمقصودُ بالإكمال: إكمالُ الكُلِّيات، التي منها الأمرُ بالاستِنباطِ والقياس. وقدْ جمعَ القرآنُ جميعَ الأحكامِ جمعاً كلِّياً في الغالِب، وجُزئيًّا في المُهمّ.
وأتمَمْتُ عليكمْ نِعمتي بذلك، وأنجزتُ لكمْ وَعدي، بقولي: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة :150]
واختَرتُ لكمُ الإسلامَ - أيُّها المسلِمونَ - دونَ الأديان، ورَضِيتُهُ لكم، فأقبِلوا عليهِ وتَمسَّكوا به، فإنَّهُ الحقُّ مِنْ ربِّكم، وفيهِ سَعادتُكم، وعِزُّكمْ ونَصرُكم، وهوَ ذُخرُكمْ يومَ الدِّين.
ومَنْ ألجأتْهُ الضَّرورةُ إلى أكلِ شَيءٍ مِنْ تلكَ المحرَّمات، كمَجاعةٍ تُطوَى منها البُطون، ويُخافُ معها الموتُ أو مبادِئه، غيرَ مائلٍ إلى المَعصيَة، فلا يأكلْ منها زيادةً عنْ حاجتِه، فإنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُهُ بأكلِه، بلْ يَغفِرُ لهُ ذلك، وهوَ رحيمٌ بهِ حيثُ أباحَ لهُ المحرَّم عندَ حاجتِهِ إليه.