وبسبَبِ مفَاسدِ هذهِ الجِنايةِ، مِنْ قتلِ ابنِ آدمَ أخاهُ ظُلماً وعُدواناً، قَضَينا على بَني إسرائيلَ في التَّوراة، أنَّ مَنْ قتلَ نَفساً بغَيرِ قِصاص، أو بغيرِ فَساد، فاستحلَّ قتلَها بغَيرِ سبَبٍ ولا جِنابة، ككفرٍ، أو زِناً، أو نَحوِ ذلك، فكأنَّما قتلَ الناسَ كلَّهم، وعليهِ وِزْرُها!
وكانَ الحسدُ مَنشأَ هذهِ الجِناية، وهوَ غالِبٌ على بَني إسرائيلِ. ومعَ ما نزلَ عليهمْ مِنْ تَعظيمِ القَتل، فقدْ كانوا أشدَّ طُغياناً فيه، فقدْ أقدَموا على قتلِ الأنبياءِ والرسُل، ممّا يَدُلُّ على غايةِ قَساوةِ قلوبِهم، ونهايةِ بُعدِهمْ عنْ طاعةِ اللهِ تعالى، وبسبَبِ ذلكَ شُدِّدَ عليهمْ وعُظِّمَ مِنْ أمرِ القَتلِ عندَهم.
ومَنْ تورَّعَ عنْ قتلِ النَّفس، أو تسبَّبَ في إبقائها واستنقاذِها مِنْ أسبابِ الهَلاك، فكأنَّما حازَ ثوابَ سلامةِ النَّاسِ كلِّهم!
ولقدْ جاءَتْهُمْ رسلُنا بالحُجَجِ الواضِحَة، والبراهينِ الناطِقَة، تأكيداً لوجوبِ ما فرَضنا عليهم، ومعَ كلِّ ذلكَ فقدْ كانَ الكثيرُ منهمْ مُسرِفاً في القَتلِ، غيرَ مُبالٍ به، معَ ارتِكابِهمْ محرَّماتٍ أُخرَى، وإفسادِهمْ في الأرض.