وأنزلنا عليكَ أيُّها النبيُّ القُرآنَ بالصِّدق، الذي لا شكَّ أنَّهُ مِنْ عندِ الله، مُصَدِّقاً ما سبقَهُ منَ الكتُبِ السَّماويَّة، وفيها ذكرُكَ والثناءُ عليك. والقُرآنُ أمينٌ عليها جميعاً، ورقيبٌ عليها وشَهيد، فيَشهدُ لها ويَحكمُ عليها، فهوَ آخِرُ الكتبِ وأشملُها، وأعظمُها وأحكمُها، ومحفوظٌ منَ التحريفِ والتَّبديل، فاحكُمْ بينَ الناسِ جميعاً - ومنهمْ أهلُ الكتاب، إذا ترافعوا إليك- بما أنزلَ اللهُ عليكَ في القُرآن، ولا تَتَّبعْ أفكارَهمُ الفاسِدة، وأهواءَهمُ الزائغةَ عمّا أنزلَ اللهُ عليكَ منَ الحقِّ والعَدلِ الذي لا مَحيدَ عنه.
وقدْ جعلنا لكلِّ أمَّةٍ منَ الأمَمِ سَبيلاً وسُنَّة، فالأديانُ كلُّها بُعِثَتْ متَّفقةً في التَّوحيد، معَ شرائعَ مختلفةٍ في الأحكامِ تُناسِبُ الناسَ وزمانَهم وبيئتَهم.
ولو شاءَ اللهُ لجعلَكمْ جماعةً واحدةً على دِيْنٍ واحدٍ في جَميعِ الأزمان، دونَ اختلافِ أحكام، لا يُنْسَخُ شَيءٌ منها، ولكنَّهُ سبحانَهُ شرعَ لكلِّ رسولٍ شِرْعة، ثمَّ عدَّلَ فيها للرسُولِ الذي بعدَهُ ما شاء، حتَّى نُسِخَتْ جميعُها برسالةِ الإسلامِ الخَاتمة، التي بُعِثَتْ لأهلِ الأرضِ جميعاً، ليَختَبِرَ عبادَهُ فيما شرعَهُ لهم، ويَنظُرَ المطيعَ منهمْ والعاصي، والمُذعِنَ والرافِض، والموافِقَ والمُخالِف. فيُثِيبَ ويُعاقِب، كلٌّ بحَسَبِ نيَّتهِ وعَزمهِ وعَملِه، في العُصورِ المختلِفة، بالشرائعِ المقرَّرة. فسارِعوا إلى الخيرات، وبادِروا إلى الحسناتِ والأعمالِ الصَّالحات، بطاعةِ اللهِ واتِّباعِ شرعِه، والتصْديقِ بكتابِه، واتِّباعِ أوامرِه.
واعلَموا أنَّكمْ جميعاً مُنقَلِبونَ إلى الله، ليَفصِلَ بينكمْ فيما كنتُمْ تَختلفونَ فيهِ في الدُّنيا منْ أمرِ الدِّين، ويعذِّبَ الجاحدَ المكذِّب بالحقّ، ويَجزيَ المؤمنَ المصدِّقَ بالإحسانِ والإكرام.