ونحوِّلُ قُلوبَ المشرِكينَ عنْ إدراكِ الحقِّ فلا يَفهمَونَه، وعيونَهمْ عن إبصارِها فلا يرونَه، تماماً كما رفَضوا الإيمانَ بالآياتِ والمعجِزاتِ الواضِحاتِ الدالَّةِ على صِدقِ نبوَّةِ رَسولِنا أوَّلَ مرَّة، فهي القُلوبُ نفسُها التي أبَتْ أنْ تَستَجيبَ للحقّ، وما زالتْ تُعانِدُ وتُخاصِمُ بعدَ كلِّ رَغبةٍ ورَهبة، وبعدَ كلِّ إيضاحٍ ومَحَجَّة، فهمُ الذينَ ظَلموا أنفُسَهمْ ورَضُوا بالكُفرِ والضَّلال، وعَلِمَ اللهُ فيهمْ هذا العزمَ والتوَجُّه، فتركَهمْ في كُفرِهمْ وضَلالِهمْ يَتردَّدونَ مُتَحيِّرين.
والمتابعُ للحوارِ والجدالِ معَ الملاحِدَةِ وأهلِ الأديانِ والفِرَق، يرَى العِنادَ واللَّجاجةَ والمخاصَمةَ مِنْ مُعظَمِهم، وإصرارَهمْ على ما همْ عليهِ منْ باطِل، فهمْ بذلكَ يَستَحِقُّونَ ما قالَ اللهُ فيهم، وما ظَلمهمُ اللهُ ولا أجبَرهمْ على ذلك، بلْ هذا هوَ توجُّههمْ واستعدادُهمُ الذي رَضُوهُ لأنفسِهم، فليَكونوا كذلكَ كما رَغِبوا.