ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا... - سورة الأنعام الآية 111

  1. الجزء الثامن
  2. سورة الأنعام
  3. الآية: 111

﴿۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ الۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ﴾

[الأنعام:111]

تفسير الآية

ولو أنَّنا أجَبنا على اقتراحِهمْ بإنزالِ مُعجِزةٍ، بلْ أكثرَ ممّا سألوا، فأنزلنا ملائكةً تُصَدِّقُ النبيَّ المرسَل، وبَعثنا أمواتاً منَ القُبورِ تُكلِّمهمْ وتُخبِرهمْ بصدقِ الرسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم وصحَّةِ التَّوحيد، وجمَعنا عليهمْ كلَّ شيءٍ يُمكِنُ أنْ يَشهدَ بصِدقِ هذهِ الرِّسالة، مواجَهةً وعِياناً، وجماعاتٍ وأفواجاً، لمَا تَركوا ما همْ عليهِ منَ الكُفر، ولمَا آمَنوا بالرِّسالةِ المحمَّدية، إلاّ أنْ يَشاءَ اللهُ ذلك، فالهِدايةُ إليهِ لا إليهم.

ولكنَّ أكثرَهمْ يَجهلونَ سبَبَ عدمِ إيمانِهمْ عندَ مجيءِ الآيات.

قال ابنُ جَريرٍ الطبريُّ رحمَهُ الله: ولكنَّ أكثرَ هؤلاءِ المشركينَ يَجهلونَ أنَّ ذلكَ كذلك، يَحسَبونَ أنَّ الإيمانَ إليهم، والكفرَ بأيديهم، متَى شاؤوا آمَنوا، ومتَى شاؤوا كَفروا، وليسَ ذلكَ كذلك، ذلكَ بيدِي، لا يُؤمنُ منهمْ إلاّ مَنْ هَديتُهُ لهُ فوفَّقتُه، ولا يَكفرُ إلاّ مَنْ خذلتُهُ عنِ الرُّشدِ فأضللتُه.

قالَ صاحبُ "الظِّلال" رحمَهُ الله: وهذا الأصلُ الذي يُقَرِّرهُ ابنُ جريرٍ هنا هوَ الصَّحيح، ولكنَّهُ يَحتاجُ إلى زيادةِ الإيضاح، باستِلهامِ مجموعةِ النُّصوصِ القُرآنيةِ عنِ الهُدَى والضَّلالة، ومشيئةِ اللهِ وجُهدِ الإنسان.

قال: مَشيئةُ اللهِ هيَ المرجِعُ الأخيرُ في أمرِ الهُدَى والضَّلال، فقدِ اقتَضتْ هذهِ المشيئةُ أنْ تَبتليَ البشَرَ بقَدْرٍ منْ حرِّيةِ الاختيار ِوالتوجُّهِ في الابتِلاء، وجُعِلَ هذا القَدْرُ مَوضِعَ ابتِلاءٍ للبشَرِ وامتِحان، فمَنِ استخدمَهُ في الاتِّجاهِ القلبيِّ إلى الهُدى والتطلُّعِ إليهِ والرَّغبةِ فيه - وإنْ كان لا يَعلمُ حينئذٍ أينَ هو - فقدِ اقتضتْ مَشيئةُ اللهِ أنْ يأخُذَ بيدهِ ويُعيْنَهُ ويَهديَهُ إلى سَبيلِه، ومَنِ استَخدمَهُ في الرَّغبةِ عنِ الهُدَى والصُّدودِ عنْ دلائلهِ ومُوحياتِه، فقدِ اقتضَتْ مَشيئةُ اللهِ أنْ يُضِلَّهُ وأنْ يُبعِدَهُ عنِ الطَّريق، وأنْ يَدَعَهُ يَتخبَّطُ في الظُّلمات. وإرادةُ اللهِ وقدَرُهُ مُحيطانِ بالبشَرِ في كلِّ حالة، ومَرَدُّ الأمرِ كلِّهِ إليهِ في النهاية. اهـ.

وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ

ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون