تفسير الجزء 25 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الخامس والعشرون
25
سورة فصلت (47- 54)
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية

﴿وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيۡطَٰنُۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [الزخرف:62]


ولا يَصرِفنَّكمُ الشَّيطانُ عنْ مَعرِفَةِ الحقِّ واتِّباعِ دِينِ الله، فإنَّهُ عَدوٌّ ظاهِرُ العَداوَةِ لكم.

﴿وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِالۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِالۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ الَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الزخرف:63]


ولمَّا بُعِثَ عيسَى إلى بَني إسْرائيلَ قالَ لهم: لقدْ جئتُكمْ بالنبوَّة، ولأوَضِّحَ لكمْ بعضَ ما تَختَلِفونَ فيهِ مِنَ الأمُورِ الدِّينيَّة، ومِنْ أحكَامِ التَّوراة، فاحذَروا مُخالَفةَ أمرِ الله، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ بهِ مِنْ عندِه.

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَاعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ﴾ [الزخرف:64]


فأنا مثلُكمْ في العُبوديَّة، واللهُ رَبِّي ورَبُّكم، فالتَزِموا طاعتَه، واعبُدوهُ وَحدَه، فإنَّ التَّوحيدَ هوَ الطَّريقُ الصَّواب، الذي يُرضي الربّ، ويَهدي إلى الجنَّة.

﴿فَاخۡتَلَفَ الۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ﴾ [الزخرف:65]


فاختلَفوا وتفَرَّقوا، وصَاروا شِيَعًا وأحزابًا، وقالُوا ما قالُوا في عيسَى ووالدَتِه، فالوَيلُ والهَلاكُ للفِرَقِ الضَّالَّة، المُحَرِّفَةِ والمُبَدِّلَة، مِنْ عَذابِ يَومِ القيامَة.

﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [الزخرف:66]


هلْ يَنتَظِرُ المشرِكونَ المكذِّبونَ إلاّ أنْ تأتيَهمُ السَّاعَةُ فَجأةً وهمْ في غَفلَةٍ لاهُون؟

﴿الۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الۡمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:67]


الأصدِقاءُ المُحِبُّونَ في يَومِ القيامَةِ يَكونُ بَعضُهمْ أعداءً لبَعض، إلاّ المُتحابِّينَ في طاعَةِ الله، فإنَّها باقيَة، ومُثابٌ عَليها.

﴿يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ الۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ﴾ [الزخرف:68]


يا عِباديَ المؤمِنينَ المُتحابِّينَ في الله، لا خَوفَ عليكمُ اليَومَ ولا بَأس، فلا تَجزَعوا ممَّا ترَونَهُ مِنْ أهوالِ يَومِ القِيامَة، ولا تَهتَمُّوا ولا تَغتَمُّوا، فإنَّ أمامَكمْ ما يَسرُّكمْ ويُفرِحُ قُلوبَكم.

﴿الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ مُسۡلِمِينَ﴾ [الزخرف:69]


الذينَ آمَنوا باللهِ وآياتهِ كلِّها، وكانوا مُستَسلِمينَ لأمرِ اللهِ ورَسُولِه، مُنقادينَ للشَّرعِ وأحكَامِه.

﴿ادۡخُلُواْ الۡجَنَّةَ أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ تُحۡبَرُونَ﴾ [الزخرف:70]


ادخُلوا الجنَّةَ أنتُمْ وزَوجاتُكمُ المؤمِنات، تَنَعَّمونَ فيها وتُسَرُّون.

﴿يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ الۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ الۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الزخرف:71]


يُطافُ على أهلِ الجنَّةِ بأوانٍ كقِصاعٍ مِنْ ذهَب، وأكوَاب، وفيها ما تَرغَبُ فيهِ الأَنفُسُ وتَشتَهيهِ مِنْ أنوَاعِ المآكلِ والمَشارِب، وما تَستلَذُّهُ الأعينُ مِنَ الجَمالِ وحُسنِ المَنظَر، وأنتُمْ ماكِثونَ فيها أبَدًا.

﴿وَتِلۡكَ الۡجَنَّةُ الَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الزخرف:72]


وتلكَ هيَ الجنَّةُ التي أُعطِيتُموها، واقتسَمتُمْ مَنازِلَها بما كنتُمْ تَعمَلونَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ في الحيَاةِ الدُّنيا.

قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: أي: أعمالُكمُ الصَّالحةُ كانتْ سبَبًا لشُمولِ رَحمَةِ اللهِ إيَّاكم، فإنَّهُ لا يُدخِلُ أحدًا عمَلُهُ الجنَّةَ، ولكنْ برَحمَةِ اللهِ وفَضلِه، وإنَّما الدَّرَجاتُ يُنالُ تَفاوتُها بحسَبِ الأعمالِ الصَّالحات.

﴿لَكُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ كَثِيرَةٞ مِّنۡهَا تَأۡكُلُونَ﴾ [الزخرف:73]


لكمْ فيها فَواكِهُ كثيرَة، بأنوَاعِها وأصنافِها المُتعَدِّدَة، وألوَانِها وطُعومِها المُتنوِّعَة، تأكُلونَ منها متَى ما أرَدتُم.

﴿إِنَّ الۡمُجۡرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ﴾ [الزخرف:74]


إنَّ الكافِرينَ الأشقِياءَ في عَذابِ جهنَّمَ باقُونَ أبَدًا.

﴿لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ﴾ [الزخرف:75]


لا يُخَفَّفُ عنهمُ العَذابُ ساعَةً واحِدَة، وهمْ فيهِ حَزينونَ ساكِتون، آيسُونَ مِنْ كُلِّ خَير.

﴿وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الزخرف:76]


ولم نَظلِمْهمْ بهذا العَذاب، بلْ همُ الذينَ جلَبوهُ لأنفُسِهم، فكفَروا بآياتِنا، وكذَّبوا رسُلَنا، وفتَنوا المؤمِنينَ عنْ دينِهم، وعصَوا وأفسَدوا في الأرْض، وأصَرُّوا على الكفرِ حتَّى ماتوا عَليه.

﴿وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ﴾ [الزخرف:77]


ولمَّا اشتدَّ عليهمُ العَذابُ وطالَ بهم، نادَوا خازِنَ النَّار: يا مالِك، ليَقبِضْ رَبُّكَ أرواحَنا ويُريحَنا ممَّا نحنُ فيه. فقالَ لهم: إنَّكمْ مُقيمونَ في العَذابِ أبَدًا.

﴿لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِالۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ﴾ [الزخرف:78]


لقدْ أعلَمناكمْ بالحقِّ في الحيَاةِ الدُّنيا، وبيَّنَّا لكمُ الهُدَى مِنَ الضَّلال، ولكنَّ أكثرَكمْ كانوا مُبغِضينَ لدِينِ الله، لا يَقبَلونَ الحقّ، ويَنفِرونَ مِنَ الحُجَجِ والآيَات، ويُؤثِرونَ عَليها أهواءَهمْ وعاداتِهم.

﴿أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ﴾ [الزخرف:79]


أمْ أنَّ المشرِكينَ قدْ دبَّروا أمرًا للكَيدِ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بقَتلِهِ، أو القَضاءِ على رسالَتِه؟ فإنَّ اللهَ قدْ أحكمَ الأمرَ لخِذلانِهم، ونُصرَةِ نبيِّه، فلنْ يُغنيَ عنهمْ كيدُهمْ شَيئًا.

﴿أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ﴾ [الزخرف:80]


أمْ يَظنُّونَ أنَّا لا نَسمَعُ ما يُسِرُّونَ في أنفُسِهم، وما يَتناجَونَ بهِ مِنْ كلامٍ بَينَ بَعضِهمُ البَعض؟ بلَى، نحنُ عالِمونَ بذلك، ومَلائكتُنا يَكتُبونَ ما يَقولونَ وما يَعمَلون.

﴿قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ الۡعَٰبِدِينَ﴾ [الزخرف:81]


قُلْ لهؤلاءِ المشرِكينَ أيُّها الرسُول: لو كانَ للهِ ولَدٌ حقًّا، لعَبَدتُهُ على ذلك، ولكنَّهُ لا يَصِحُّ ولا يُعقَل، ولا يَقبَلُ اللهُ أنْ يَكونَ لهُ شَريك، فهوَ زَعمٌ فاسِدٌ لا أصلَ لهُ ولا دَليلَ عليه.

﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ رَبِّ الۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الزخرف:82]


تَقدَّسَ اللهُ وتَنزَّهَ عمَّا يَصِفُهُ بهِ المشرِكون، وهوَ خالِقُ السَّماواتِ والأرْضِ ومالِكُهما، والمُتصَرِّفُ فيهما، وهوَ رَبُّ العَرشِ العَظيم.

﴿فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ [الزخرف:83]


فدَعهُمْ يَخوضُوا في ضَلالِهمْ وباطلِهم، ويَلعَبوا في دُنياهُم، حتَّى يُلاقُوا يَومَ القِيامَةِ الذي وُعِدوا به، وسَوفَ يَعلَمونَ عاقبةَ أمرِهمْ يَومَئذ.

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي الۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ الۡحَكِيمُ الۡعَلِيمُ﴾ [الزخرف:84]


وهوَ تَعالَى مَعبودٌ في السَّماء، ومَعبودٌ في الأرْض، وهوَ الإلهُ الحقّ، الحَكيمُ في تَدبيرِ شُؤونِ الخَلق، العَليمُ بأحوالِهمْ ومَصالحِهم.

﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَعِندَهُۥ عِلۡمُ السَّاعَةِ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [الزخرف:85]


وتَعالَى اللهُ وجلَّتْ قُدرَتُه، الذي لهُ مُلكُ السَّماواتِ والأرْض، وما بينَهما، وهوَ وحدَهُ المُتصَرِّفُ فيهما، ومُدَبِّرُ أمرِهما، وهوَ وحدَهُ الذي يَعلَمُ وقتَ قيامِ السَّاعَة، لا يَعرِفُهُ نَبيٌّ مُرسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّب، وإليهِ جَميعًا تُرجَعونَ للحِسابِ والجَزاء.

﴿وَلَا يَمۡلِكُ الَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [الزخرف:86]


ولا يَملِكُ مَنْ يَعبُدهمُ المشرِكونَ الشَّفاعَةَ لهمْ لإنقاذِهمْ ممَّا همْ فيه، إلاّ مَنْ شَهِدَ بالتَّوحيدِ وهمْ على بَصيرَةٍ وعلمٍ بذلك، وهم: المَلائكة، وعيسَى، وعُزَير، وأمثالُهم. وهؤلاءِ لا يَشفَعونَ إلاّ للمؤمِنين.

﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ اللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ﴾ [الزخرف:87]


وإذا سألتَ المشرِكينَ مَنِ الذي خَلقَهم؟ فسيَقولون: اللهُ خَلقَنا. فقُلْ لهم: فكيفَ تُصرَفونَ عنْ عِبادَتِهِ سُبحانَهُ إلى عِبادَةِ غَيرِهِ مِنَ المَخلوقين؟!

﴿وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الزخرف:88]


وشَكا رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى رَبِّهِ مُتحَسِّرًا وهوَ يَقول: يا رَبّ، إنَّ هؤلاءِ قَومٌ مُعاندونَ كَذَّبوني ولا يُؤمِنون.

﴿فَاصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ﴾ [الزخرف:89]


فأعرِضْ عَنهمْ أيُّها الرسُولُ الكَريم، ولا تُجاوبْهمْ بمثلِ ما يُخاطِبونَكَ بهِ مِنَ الكَلامِ السيِّء، فسَوفَ يَعلَمونَ عاقبَةَ أمرِهم.

وذهبَ مُفَسِّرونَ إلى أنَّها مَنسوخَةٌ بآيَةِ السَّيف.

قالَ صاحبُ "روح المعاني": إنْ أُريدَ مِنَ الآيَةِ الكفُّ عنِ القِتالِ فهيَ مَنسوخَة، وإنْ أُريدَ الكفُّ عنْ مُقابلَتِهمْ بالكَلام، فليسَتْ بمَنسوخَة.

سورة الدخان - مكية - عدد الآيات: 59

44

﴿حمٓ﴾ [الدخان:1]


حُروفٌ مُقطَّعَةٌ... اللهُ أعلمُ بمُرادِها.

﴿وَالۡكِتَٰبِ الۡمُبِينِ﴾ [الدخان:2]


أُقسِمُ بالقُرآنِ البَيِّنِ في ألفاظِهِ وأحكامِه، وفي هَديهِ ودَلائلِه، وفي دَعوَتِهِ النَّاسَ إلى التَّوحيدِ والطَّاعَة.