تفسير الجزء 28 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الثامن والعشرون
28
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة الجمعة
سورة المنافقون
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم

﴿وَالَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ الۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ارۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَالَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ الۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا﴾ [الطلاق:4]


والنِّساءُ اللَّواتي انقطَعَ عَنهنَّ الحيضُ لكِبَرِهنّ، إنْ شَكَكتُمْ في عِدَّتِهنَّ فهيَ ثَلاثَةُ شُهور.

والصَّغيراتُ اللَّاتي لم يَبلُغْنَ سِنَّ الحيضِ كذلك.

وفي الآيَةِ جَوازُ نِكاحِ الصَّغيرَة، وليسَ ذلكَ إلاّ للأبِ أو الجَدّ، لتَوافُرِ الشفَقةِ منهما عَليها، وصِدقِ الرَّغبَةِ في تَحقيقِ مَصلحَتِها، وخَشيةِ فَواتِ هذهِ المَصلحَةِ عَليها لو لم يَتِمَّ العَقدُ في حينِه. وقدِ اشترطَ الشافعيَّةُ سَبعةَ شُروطٍ لهذا العَقد، منها أنْ يَكونَ الزَّواجُ مِنْ كُفء.

ومُنتهَى عِدَّةِ النِّساءِ الحوامِلِ أنْ يَضَعْنَ حَملَهُنّ، سَواءٌ كُنَّ مُطلَّقاتٍ أو مُتوَفًّى عَنهنَّ أزواجُهنّ.

ومَنْ خَشِيَ اللهَ ولم يَتَجاوَزْ حُدودَه، يُسَهِّلْ لهُ أمرَه، ويَجعَلْ لهُ فرَجًا ومَخرَجًا.

﴿ذَٰلِكَ أَمۡرُ اللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا﴾ [الطلاق:5]


ذلكَ حُكمُ اللهِ وقَضاؤه، أنزلَهُ إليكمْ بواسِطَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ يَلتَزِمْ بما أمرَ الله، ويَنتَهي عمَّا نَهى عنه، يَغفِرْ لهُ ذُنوبَه، ويُجزِلْ لهُ الثَّوابَ على العمَلِ ولو كانَ يَسيرًا.

﴿أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ﴾ [الطلاق:6]


وإذا طلَّقتُمُ النِّساءَ فأسكِنوهُنَّ مِنْ حَيثُ سكَنتُم، وأنفِقوا عَليهنَّ مِنْ وُسْعِكم، الموسِرُ يوَسِّعُ عَليها، والفَقيرُ على قَدْرِ الطَّاقَة.

ولا تؤذُوهنَّ لتُضَيِّقوا عَليهنَّ في مَكانِ سكَنِهنَّ فتُلجِؤوهُنَّ إلى الخُروج.

وإذا كانتِ المُطلَّقاتُ حامِلاتٍ فعَليكمْ نَفقَتُهنَّ وسُكناهُنَّ حتَّى تَنتَهيَ عِدَّتُهنّ، وهيَ أنْ يضَعْنَ حَملَهنّ، فإذا أرضَعْنَ لكمْ وهُنَّ طَوالِق، فأعطُوهنَّ أُجورَهنَّ على إرضَاعِهنّ.

ولتكُنْ أمورُكمْ فيما بينَكمْ بالكلامِ الجَميلِ والمُعاملَةِ الحسنَة، وليَأمُرْ كُلٌّ صاحبَهُ بالخَير.

فإذا اختلَفتُمْ في أُجرَةِ الرَّضيعِ ولم تَتوافَقوا، فليَستأجرِ الأبُ للمولودِ مُرضِعًا غَيرَ أُمِّه.

﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ اللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ اللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا﴾ [الطلاق:7]


ليُنفقِ الأبُ أو الوليُّ الموسِرُ على قَدْرِ غِناه، ومَنْ كانَ في ضِيقٍ مِنَ المَعيشَةِ فليُنفِقْ مِنْ مالِهِ بالقَدْرِ الذي يَستَطيع، لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا مِنَ النَّفقَةِ إلاّ ما أعطاها مِنَ الرِّزق، سيَجعَلُ اللهُ بعدَ ضِيقٍ سَعَة، وبعدَ فَقرٍ غِنًى.

﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا﴾ [الطلاق:8]


وكمْ مِنْ أهلِ قَريَةٍ عصَوا وتَمرَّدوا واستَكبَروا عمَّا أمرَهمُ اللهُ بهِ ورسُلُه، فحاسَبناها على مَواقفِها وما أجابَتْ بهِ رسُلَنا حِسابًا مُستَقصيًا، وعذَّبناها في الآخِرَةِ عَذابًا مُنكرًا فَظيعًا.

﴿فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا﴾ [الطلاق:9]


فَذاقَتْ جَزاءَ عُتوِّها واستِكبارِها، وكانَ عاقِبَةُ أمرِها خُسرانًا هائلاً، هلاكًا ودَمارًا في الحيَاةِ الدُّنيا، وعَذابًا شَديدًا في الآخِرَة.

﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي الۡأَلۡبَٰبِ الَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا﴾ [الطلاق:10]


هيَّأَ اللهُ لهمْ عَذابًا مؤلِمًا ونارًا تَتلظَّى في الآخِرَة، فامتَثِلوا أمرَ اللهِ ولا تُخالِفوه، يا أهلَ العُقولِ المُستَقيمَة، الذينَ آمَنوا باللهِ ورسُلِهِ وبما بَلَّغوه، لقدْ أنزلَ اللهُ عَليكمْ قُرآنًا عَظيمًا، فيهِ عِظَةٌ لكمْ وعِبرَة، ونورٌ وهِدايَة.

﴿رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ اللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِاللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ اللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا﴾ [الطلاق:11]


أرسَلَ إليكمْ رَسولاً يَتلو عَليكمْ كتابًا مِنْ عندِ اللهِ بَيِّنًا مُعجِزًا، ليُخرِجَ بهِ الذينَ صدَقوا في إيمانِهمْ وعَمِلوا عمَلاً صالحًا مِنَ الضَّلالِ إلى الهُدَى، ومِنْ ظلُماتِ الكُفرِ والجَهلِ إلى نُورِ الإيمَانِ والعِلم. ومَنْ يؤمِنْ باللهِ إيمانًا صادِقًا، لا رياءَ فيهِ ولا شِرك، ويُتْبِعْهُ بعمَلٍ حسَنٍ مُوافِقٍ للشَّرع، يُدْخِلْهُ جنَّاتِ النَّعيم، التي تَجري مِنْ خِلالِ قصورِها وأشجارِها الأنَهار، ماكثِينَ فيها أبدًا، لا يَمَلُّونَ منها، ولا يَتحوَّلونَ عنها.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ الۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ الۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ اللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا﴾ [الطلاق:12]


هوَ اللهُ القادِرُ العَظيم، الذي خلقَ سَبعَ سَماوات، ومِنَ الأرْضِ مِثلَهنَّ في العَدَد، يَجري أمرُ اللهِ وقَضاؤهُ بينَهنَّ، ويُدَبِّرُ فيها ما شاءَ كما يُريد، لتَعلَموا أنَّ مَنْ قَدَرَ على خَلقِ السَّماواتِ والأرْضِ قادِرٌ على كُلِّ شَيء، كالإحيَاءِ بعدَ المَوت، ولتَعلَموا أنَّ علمَ اللهِ قدْ أحاطَ بكُلِّ ما فيها، فلا يَخفَى عليهِ شَيء، أينَما كانَ ومَهما خَفي.

سورة التحريم - مدنية - عدد الآيات: 12

66

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [التحريم:1]


شَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عسَلاً عندَ إحدَى زَوجاتِه، فاتَّفقَتْ عائشَةُ وحفصَةُ رَضيَ اللهُ عَنهما على أنَّهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا دخلَ على أيَّتِهنَّ فلتَقُلْ له: إنِّي أجِدُ منكَ ريحَ مَغافير، وهوَ شَبيهٌ بالصَّمغ، فيهِ حَلاوةٌ ولهُ رائحَةٌ كريهة، فقالتْ لهُ إحداهُنَّ ذلك، فقالَ صلى الله عليه وسلم: "لا، بلْ شَرِبتُ عسَلاً عندَ زَينبَ بنتِ جَحش، ولنْ أعُود". فنزلَت. ولفظُ قَولِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنْ صَحيحِ البخاريّ.

أيُّها النبيُّ الكريم، لماذا تُحرِّمُ على نَفسِكَ طَعامًا أحلَّهُ اللهُ لك، أتُريدُ بذلكَ أنْ تُرضيَ بعضَ زَوجاتِك؟ لقدْ غفرَ اللهُ لك، واللهُ كثيرُ المَغفِرَة، واسِعُ الرَّحمَة.

﴿قَدۡ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَاللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ الۡعَلِيمُ الۡحَكِيمُ﴾ [التحريم:2]


لقدْ شرَعَ اللهُ لكمْ تَحليلَ ما عَقدَتْهُ أيمانُكمْ بالتَّكفيرِ عَنها إذا حنَثتُم [يُراجَعُ تَفسيرُ الآيةِ 89 مِنْ سُورَةِ المائدَة]. واللهُ مُتَولِّي أمُورِكم، وهوَ العَليمُ بما يُصلِحُكمْ فيشرَعُهُ لكم، الحكيمُ الذي لا يأمرُ ولا يَنهَى إلاّ بما تَقتَضيهِ الحِكمَة.

﴿وَإِذۡ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ اللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الۡعَلِيمُ الۡخَبِيرُ﴾ [التحريم:3]


واذكُرْ إذْ أسرَّ النبيُّ إلى بَعضِ زَوجاتِهِ حَديثًا. ذكرَ المفَسِّرونَ أنَّها حَفصَةُ رَضيَ اللهُ عنها، وهوَ في مَوضوعِ شُربِ العسَل، فقدْ قالَ لها عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في روايَةٍ -للبخاريِّ أيضًا -: "ولنْ أعُود، وقدْ حلَفتُ، فلا تُخبِري بذلكَ أحَدًا"، فأخبرَتْ بهِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عَنها، وكانَتا مُتصادِقتَين. فلمَّا أطْلَعَ اللهُ عَليهِ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم أعلَمَها ببَعضِ الحديثِ الذي أفشَتْه، ولم يُخبِرْها بهِ كُلِّه، تَكريمًا لها، حتَّى لا يَزدادَ خَجَلُها. فلمَّا أخبرَها به، خَشِيَتْ أنْ تَكونَ عائشَةُ قدْ فضَحَتْها، فقالَتْ له: مَنْ أخبرَكَ بهذا؟ فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: أخبرَني العَليمُ الذي يَعلَمُ السرَّ وأخفَى، الخَبيرُ الذي لا تَخفَى عَليهِ خافيَة.

﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ الۡمُؤۡمِنِينَۖ وَالۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم:4]


إنْ تَتوبا إلى اللهِ مِنْ تَعاونِكما على إيذاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانَ خَيرًا لكمَا، فقدْ زاغَتْ قُلوبُكما ومالَتْ عنِ الحقّ، وإنْ تَتعاوَنا عَليهِ بما يَسُوؤه، مِنَ الإفراطِ في الغَيرَةِ وإفشاءِ سرِّه، فإنَّ اللهَ وليُّهُ وناصِرُه، وجِبريل، وصالِحُ المؤمِنين(146)، والمَلائكةُ بعدَ نُصرَةِ اللهِ لهُ أعوانٌ لهُ صلى الله عليه وسلم.

(146) مَن صلحَ من المؤمنين: أتباعهُ وأعوانه ... قالَ ابنُ عباس رضيَ الله عنهما: أرادَ بصالحِ المؤمنين أبا بكرٍ وعمرَ رضيَ الله عنهما. (روح البيان).

﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا﴾ [التحريم:5]


عسَى اللهُ إنْ طلَّقَكنَّ النبيُّ أنْ يُعطيَهُ زَوجاتٍ خَيرًا منكنّ، مُسلِمات: مُقِرَّاتٍ خاضِعاتٍ لطاعَةِ الله، مُؤمِنات: مًصَدِّقاتٍ مُخلِصات، قانِتات: مُصَلِّياتٍ مُواظِباتٍ على الطَّاعَة، تائبات: مُستَغفِراتٍ راجِعاتٍ إلى الله، عابِداتٍ مُتذَلِّلاتٍ لأمرِ اللهِ ورَسُولِه، سائحات: صَائمات، بَعضُهنَّ ثَيِّبات، وبَعضُهنَّ أبكَار.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾ [التحريم:6]


أيُّها المؤمِنون، أطيعُوا اللهَ وابتَعِدوا عنْ مَعاصيه، وأدِّبوا أهليكم، وانهَوهمْ عمَّا نهَى اللهُ عنه، وأْمرُوهمْ بما أمرَ به، ليَكونَ ذلكَ نَجاةً لكمْ ولهمْ مِنَ النَّار، التي تتَّقِدُ بالنَّاسِ والحِجارَة، فهما حطَبُها الذي يُلقَى فيها وتُسعَرُ به، وقدْ وُكِّلَ بالنَّارِ وتَعذيبِ أهلِها ملائكةٌ أفظاظٌ قُساةٌ أشِدَّاءُ على الكافِرينَ بالله، لا يَعصُونَ ما أمرَهمْ اللهُ به، ويُبادِرونَ إلى فِعلِ ما يأمرُهم.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ الۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [التحريم:7]


أيُّها الكافِرون، لا تَعتَذِروا اليَومَ وقدْ حَقَّ عَليكمُ العَذاب، فلا عُذرَ لكم، ولا هوَ نافِعُكم، إنَّما تُحاسَبونَ على أعمالِكمُ التي قَدَّمتُموها في الحيَاةِ الدُّنيا، وتُجزَونَ عَليها بما تَستَحِقُّون.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى اللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَاغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [التحريم:8]


أيُّها المؤمِنون، توبوا إلى اللهِ مِنْ ذُنوبِكمْ وسَيِّئاتِ أعمالِكمْ تَوبةً صادِقَةً جازِمَة، تَنصَحونَ بها أنفُسَكم، فتَندَمونَ على أخطائكم، وتَعزِمونَ على عدَمِ العَودَةِ إليها، عسَى أنْ يَغفِرَ اللهُ بذلكَ سَيِّئاتِكم، ويُكرِمَكمْ يَومَ القيامَةِ فيُدخِلَكمْ جنَّاتٍ واسِعات، تَجري مِنْ تَحتِها الأنهَارُ الكثيرَة، يَومَ لا يُذِلُّ اللهُ النبيَّ والمؤمِنينَ كما يُذِلُّ الكافِرين، ولا يُعَذِّبُهمْ بدُخولِ النَّار، بلْ يُكرِمُهمْ بالنَّعيمِ المُقيم، نُورُهمْ يَمشي بينَ أيديهمْ وعنْ أيامنِهم، وهمْ يَقولونَ إذا طُفِئَ نورُ المنافِقين: اللهمَّ أتمِمْ لنا النَّورَ الذي أنعَمتَ بهِ عَلينا، واغفِرْ لنا ذُنوبَنا كُلَّها، إنَّكَ قادِرٌ على كُلِّ شَيء.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ جَٰهِدِ الۡكُفَّارَ وَالۡمُنَٰفِقِينَ وَاغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [التحريم:9]


أيُّها النبيُّ الكريم، جاهدِ الكفَّارَ بالسِّلاحِ والقِتال، والمُنافِقينَ بالحُجَّةِ والدَّليلِ والوَعيد، وبالسِّلاحِ والقِتالِ لمَنْ أبَى الانقيادَ لحكمِ الله، وأقِمْ عَليهمُ الحُدودَ بما يَستَحِقُّون، وشَدِّدْ عَلى الفِئتَينِ في ذلك، وكونوا على حذَرٍ منهم، حتَّى يَرعَوَوا، وتَنكَسِرَ قوَّتُهم، ولئلاَّ تُحَدِّثَهمْ أنفسُهمْ بالعبَثِ بأمنِكم، ومَصيرُهمْ جهنَّمُ يَومَ القِيامَة، وبئسَ المأوَى مَأواهم، الذي لا يَجِدونَ فيهِ سِوَى الحميم، والعَذابِ المُهين.

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امۡرَأَتَ نُوحٖ وَامۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ادۡخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّـٰخِلِينَ﴾ [التحريم:10]


ضرَبَ اللهُ مثَلاً للكافِرين، حالَ امرأةِ النبيِّ نُوح، وامرأةِ النبيِّ لُوط، عَليهما السَّلام، فقدْ كانَتا زَوجَتَينِ لعَبدَينِ صالحَينِ مِنْ عِبادِنا، فخانَتاهُما في دِينِهما، ولم تَتَّبِعاهُما. وكانتِ امرأةُ نُوحٍ تَقولُ عنهُ مَجنون، وامرَأةُ لُوطٍ تَدلُّ قَومَها على ضُيوفِهِ ليَعمَلوا الفاحِشة. فلمْ يَنفَعْهُما كَونُ زَوجَيهِما رَسُولَينِ يَومَ القِيامَة، وقيلَ لهما: ادخُلا النَّارَ معَ سائرِ الكفرَةِ المُجرِمين.

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ امۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ابۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي الۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ الۡقَوۡمِ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [التحريم:11]


وضرَبَ اللهُ مثَلاً للمُؤمِنين، امرَأةَ فِرعَونَ المؤمِنَة، وزَوجُها كافِرٌ مُستَكبِر، فقالتْ داعيَةً رَبَّها: اللهمَّ ابنِ لي بَيتًا في جنَّتِك، وخَلِّصْني مِنْ فِرعَونَ المُتكَبِّرِ وعمَلِهِ السيِّء، فإنِّي أبرَأُ إليكَ منهُ ومِنْ شِركِه، وخَلِّصْني مِنْ قَومِهِ الكافِرينَ المُجرِمين. فهذهِ مؤمِنةٌ لم يَضُرَّها كفرُ زَوجِها، ولو كانتْ مُخالِطَةً له.

﴿وَمَرۡيَمَ ابۡنَتَ عِمۡرَٰنَ الَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ الۡقَٰنِتِينَ﴾ [التحريم:12]


والصِّدِّيقَةَ الطَّاهِرَةَ مَريمَ بِنتَ عِمْران، التي صانَتْ عِرضَها، وحَفِظَتْ فَرجَها مِنْ دنَسِ المَعصِيَة، فنفَخنا فيهِ بواسِطَةِ جِبريل، فحمَلَتْ بعيسَى عَليهِ السَّلام، وآمنَتْ بوَحي الله، وشَرائعِهِ لعِبادِه، وكتُبِهِ المُنزَلَة، وكانتْ مِنَ القَومِ المؤمِنينَ المواظبينَ على الطَّاعَةِ والعِبادَة، فأكرمَها اللهُ في الحيَاةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة.