ويَقولُ كبيرُ المُنافِقينَ أيضًا: إذا رجَعنا إلى المَدينَةِ مِنْ هذهِ الغَزوَة، فسيُخرِجُ منها الأعِزَّةُ - يَعني نَفسَهُ وأتْباعَهُ المُنافِقينَ - الأذِلَّةَ، يَعني الرسُولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ المؤمِنين!
وللهِ الغَلبَةُ والقوَّةُ ولِمَنْ أعَزَّهُ اللهُ تَعالَى مِنْ رَسُولِهِ والمؤمِنين، لا لغَيرِهم. والعِزَّةُ المُستَمدَّةُ مِنْ عِزَّتِهِ تَعالَى لا تَهونُ ولا تَلين، ولا تَخرُجُ مِنَ القَلبِ إلاّ أنْ يَضعُفَ فيهِ الإيَمان، ولكنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمونَ ذلك؛ لجَهلِهم، وضَلالِهم، وغُرورِهم.
يُنزِّهُ اللهَ ويوَحِّدُهُ كُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْضِ مِنْ المَخلُوقات، ما نَطقَ منها وما لم يَنطِق، وإنْ لم نَفقَهْ تَسبيحَ بَعضِها، وجَميعُ الكائناتِ مُلكُهُ سُبحانَه، يُدَبِّرُ أمرَها ويَتصرَّفُ فيها كما يَشاء، ولهُ الثَّناءُ الحسَنُ على ما قدَّرَ وأعطَى، وهوَ القادِرُ على كُلِّ شَيء، لا يَمنَعُهُ مِنَ القُدرَةِ الكامِلَةِ مانِع، فما شاءَ كان، وما لم يَشَأ لم يَكن.
هوَ الذي أوجدَكمْ كما شَاء، فمنكمْ كافِرٌ به، ومنكمْ مؤمِنٌ به، واللهُ عَليمٌ(145) بمَنْ يَستَحِقُّ الهِدايَةَ ممَّنْ يَستَحِقُّ الضَّلال، وسيَجزي كُلاًّ بما يَستَحِقّ.
(145) البصير: أُريدَ به العالِمُ عِلمَ انكشاف، لا يَقبلُ الخفاء، فهو كعلمِ المشاهَدة. وهذا إطلاقٌ شائعٌ في القرآن، لا سيَّما إذا أُفردتْ صفةُ (بصير) بالذكر، ولم تُذكَرْ معها صفةُ (سميع). (التحرير والتنوير).
خلقَ السَّماواتِ العَظيمَةَ والأرْضَ وما فيها لحِكمَةٍ بالِغَة، وخلقَكمْ فأحسنَ أشكالَكم، وخَصَّكمْ بدَقائقَ وأسرَارٍ في تَكوينِكمُ العُضويِّ والنَّفسيّ، وأكرَمَكم، وإلى اللهِ المَرجِعُ والمَآب، ليُحاسِبَ كُلاًّ على ما عَمِل.
يَعلَمُ جَميعَ ما في السَّماواتِ والأرْض، ممَّا ظَهرَ منها وما بطَن، ويَعلَمُ ما تُخفُونَهُ في أنفُسِكمْ مِنْ أسرَار، وما تُعلِنونَهُ مِنْ أُمُور، واللهُ عَليمٌ بما تُسِرُّونَهُ في صُدورِكم، فلا يَخفَى عليهِ شَيءٌ مِنْ أمرِكم، مهما خَفيَ ودَقّ.
والذينَ كفَروا بالله، وكذَّبوا بالمُعجِزاتِ التي أيَّدَ بها رسُلَه، أولئكَ أهلُ النَّار، ماكثينَ فيها أبدًا، لا مَحيدَ لهمْ عنها، وبئسَ مآلُهمُ الذي استقَرُّوا فيه.
اللهُ الذي يَعلَمُ ما غابَ عنكمْ وما هوَ مُشاهَدٌ لكم، فلا يَخفَى عليهِ صَغيرٌ ولا كَبير، في الأرْضِ ولا في السَّماء، الغالِبُ الذي لا يُقهَر، الحَكيمُ فيما يَقضي ويُقَدِّر.
أيُّها النبيُّ الكريم، إذا أرَدتُمْ تَطليقَ النِّسَاء، فطلِّقوهنَّ في طُهرٍ مِنْ غَيرِ جِماع، فلا يَحِلُّ الطَّلاقُ والمرأةُ حائض، ولا في طُهرٍ جامعَها زَوجُها فيه، واضبِطُوا العِدَّةَ واعرِفوا ابتِداءَها وانتِهاءَها، وأكمِلوها ثَلاثَةَ قُروءٍ [يُراجَعُ المَعنَى في تَفسيرِ الآيةِ 228 مِنْ سُورَةِ البقَرة]. واخشَوا اللهَ ولا تُطَوِّلوا العِدَّةَ عَليهنَّ للإضرَارِ بهنّ.
ولا تُخرِجوهنَّ مِنْ مَنازلِهنَّ بعدَ الطَّلاقِ إلى أنْ تَنقَضيَ عِدَّتُهنّ، فلهنَّ حقُّ السُّكنَى على الزَّوجِ حتَّى تَنقَضيَ العِدَّة. ولا يَجوزُ لهنَّ أيضًا أنْ يَخرُجْنَ وهنَّ ما زِلنَ في العِدَّة، إلاَّ إذا ارتَكبْنَ فاحِشةً ظاهِرَةً، كالزِّنا، فيُخرَجْنَ مِنَ المَسكَن.
وما ذُكرَ هوَ مِنَ الأحكامِ التي شَرعَها اللهُ لعِبادِه، فمَنْ لم يَعمَلْ بها أو أخَلَّ بشَيءٍ منها فقدْ أضَرَّ بنَفسِه. ولا تَدري ما الذي يُحدِثُهُ اللهُ بعدَ ذلك، فقدْ يَكونُ بَقاءُ المُطلَّقَةِ في المَنزِلِ في وَقتِ العِدَّةِ سبَبًا لرجُوعِ الزَّوجِ إليها إذا كانَ الطَّلاقُ رَجعيًّا، فيَكونُ ذلكَ أفضلَ لهما.
فإذا شارفَتِ المُطلَّقاتُ على انقِضاءِ عِدَّتِهنّ، فرَاجِعوهنَّ معَ حُسنِ عُشرَةٍ وإنفاقٍ مُناسِب، أو اعزِموا على مُفارَقَتِهنَّ مِنْ غَيرِ تَعنيفٍ ولا إلحاقِ ضرَرٍ بهنّ.
وأشهِدوا على الرَّجعَةِ والفِراق. والإشهادُ على الرَّجعَةِ مُستحَبٌّ احتِياطًا، خَوفًا مِنْ إنكارِ الزَّوجةِ لها بعدَ انقِضاءِ العِدَّة، وقَطعًا للشكِّ في حُصولِها، فإذا لم يُشهِدْ على رَجعَتِها صحَّت. وعندَ الشافعيِّ: الشَّهادَةُ على الرَّجعَةِ واجبة، ومَندوبٌ إليها في الفُرقَة.
وقالَ الجصَّاصً في "الأحكام": لم يَختَلفِ الفُقهاءُ في أنَّ المُرادَ بالفِراقِ المَذكورِ في الآيَةِ إنَّما هوَ تَركُها حتَّى تَنقَضيَ عِدَّتُها، وأنَّ الفُرقةَ تَصِحُّ وإنْ لم يقَعِ الإشهاد. اهـ.
وأظهِروا الشَّهادَةَ على الرَّجعَةِ والطَّلاقِ عندَ الحاجَةِ أيُّها الشُّهود، خالِصًا لوَجهِ الله، مِنْ غَيرِ تَحريف.
وما سبقَ بيانُ حُكمِهِ هوَ ما تُوعَظونَ به، وإنَّما يَلتَزِمُ بهِ مَنْ كانَ يؤمِنُ باللهِ وشَرعِه، ويَخافُ عِقابَهُ في اليَومِ الآخِر، ومَنْ خَشيَ اللهَ ولم يُخالِفْ أمرَه، فطلَّقَ للسنَّة، ولم يَضُرَّ بالزَّوجَة، يَجعَلِ اللهُ لهُ مَخرَجًا ومَنفَذًا ممَّا يقَعُ للأزواجِ مِنَ الهَمِّ والضِّيق،
ويَرزُقْهُ مِنْ جِهَةٍ لا تَخطرُ ببالِه، ومِنْ حيثُ لا يَتوَقَّع. ومَنْ يَعتَمِدْ على اللهِ ويُفَوِّضْ إليهِ أمرَه، فهوَ كافيهِ في جَميعِ أُمورِه. إنَّ اللهَ يَبلُغُ ما يُريدُه، ويُنَفِّذُ ما قَضاه. وكُلُّ شَيءٍ مُقَدَّرٌ بمِقدَار، ولا يوجَدُ شَيءٌ جُزافًا في الكونِ كُلِّه، وقدْ قدَّرَ اللهُ الأشياءَ قَبلَ وجودِها، وجعلَ لها أجلاً تَنتَهي إليه، ففوِّضوا الأمُورَ إلى الله، وأحسِنوا تَوكُّلَكمْ عليه.