تفسير سورة هود

  1. سور القرآن الكريم
  2. هود
11

﴿۞وَقَالَ ارۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ اللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [هود:41]


وقالَ نُوحٌ عليهِ السَّلامُ لمَنْ أُمِرَ بحَملِهمْ في السَّفينةِ: اركَبوا فيها، بِسمِ اللهِ يَكونُ جَرْيُها على الماء، وباسمهِ تعالَى يَكونُ رَسْوُها ومُنتَهَى سَيرِها. وإنَّ ربِّي لَغَفورٌ عمَّا فَّرطتُمْ فيه، رَحيمٌ بكمْ إذْ أنجاكُمْ مِنْ الهَلاك.

﴿وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَالۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ارۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [هود:42]


والسَّفينةُ تَجري بهمْ على الماء، والأمواجُ تتراكَمُ وتتَصاعَدُ كالجِبال.

ونادَى نوحٌ ابنًا لهُ كافِرًا، وكانَ في مَكانٍ عَزَلَ نفسَهُ عنْ أبيهِ وإخوانِهِ المؤمِنين: يا بُنيَّ اركَبْ معَنا في السَّفينة، وآمِنْ مثلَ إخوانِك، ولا تَكُنْ معَ الكافِرينَ فتَغرَقَ مثلَهم.

﴿قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ الۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا الۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ الۡمُغۡرَقِينَ﴾ [هود:43]


قالَ لهُ ابنُه: سألتَجئُ إلى رَأسِ جَبَلٍ عالٍ يَحفَظُني ويَمنَعُني منَ الماءِ فلا يَصِلُ إليَّ. قالَ لهُ أبوه: يا بُنَيّ، ليسَ شَيءٌ يَعصِمُ اليومَ مِنَ العَذاب، إلاّ مَنْ رَحِمَهُ اللهُ فنَجا، فالتَجئْ إليهِ حتَّى يَرحَمَكَ ويُنجِيَك. وحالَ المَوجُ بينَ نوحٍ وابنِه، فصارَ منَ المُغرَقينَ معَ القَومِ الكافِرين.

﴿وَقِيلَ يَـٰٓأَرۡضُ ابۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ الۡمَآءُ وَقُضِيَ الۡأَمۡرُ وَاسۡتَوَتۡ عَلَى الۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [هود:44]


وقالَ اللهُ للأرض: ابلَعي ما على وَجهِكِ منْ ماءِ الطُّوفان، وأنتِ يا سَماءُ أمسِكي عنْ إرسالِ المطَر. وبدأ الماءُ يَنقُصُ حتَّى غارَ مِنْ سَطحِها ونَضَب. وأُنْجِزَ ما وعدَ اللهُ بهِ مِنْ إهلاكِ الكافِرينَ وإنجاءِ المؤمِنين، ولم يَبقَ كافِرٌ على وَجهِ الأرض. واستَقرَّتِ السَّفينةُ على جَبلِ الجُودِيّ، وهوَ في ولايةِ شِرْناق مِنْ أرضِ تُركيا، وقيلَ هَلاكًا وخَسَارًا للكافِرينَ الظالِمين.

﴿وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ الۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ الۡحَٰكِمِينَ﴾ [هود:45]


ودَعا نوحٌ رَبَّهُ قائلاً: إلهي، إنَّ ابني الذي غَرِقَ مِنْ أهلي، وقدْ وعَدتَني بإنجاءِ أهلي، ووَعدُكَ حَقٌّ لا تُخلِفُه، وأنتَ أعلَمُ مَنْ حَكَم، وأعدَلُ مَنْ قَضَى.

﴿قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الۡجَٰهِلِينَ﴾ [هود:46]


قالَ اللهُ تعالَى ما مَعناه: يا نُوح، إنَّ ابنَكَ ذاكَ لم يَكُنْ مِنْ أهلِكَ الذينَ وعَدتُ بإنجائهم، فلا قَرابةَ حقيقيَّةَ بينَ المؤمِنِ والكافِر ولو كانَ بينَهما نَسَب، فالعَقيدَةُ هيَ الأساس، فهوَ ليسَ مِنْ أهلِكَ ما دامَ كافِرًا، والكُفرُ عَقيدَةٌ فاسِدَةٌ وعَمَلٌ سَيِّء، فلا تَطلُبْ منِّي ما لا تَعلَمُ أنَّ حصُولَهُ صَوابٌ ومُوافِقٌ للحِكمة، إنِّي أنصَحُكَ خَشيَةَ أنْ تَكونَ منَ الجاهلينَ بحَقيقَةِ ذلك.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [هود:47]


وقالَ نوحٌ عليهِ السِّلام: اللهمَّ إنِّي ألتَجِئُ إليك، وأعوذُ بكَ مِنْ أنْ أقَعَ فيما نَهيتَني عنه، وأنْ أسألَكَ ما لا عِلمَ لي بصَوابِه، وإذا لم تَغفِرْ لي ما صدَرَ عنِّي، وتَرحَمْني بقَبولِ تَوبَتي، أكُنْ منَ الخاسِرين، فتقَبَّلْ توبَتي، وارْضَ عنِّي.

﴿قِيلَ يَٰنُوحُ اهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [هود:48]


وقالَ اللهُ لنُوح: اِنزِلْ منَ السَّفينةِ بسَلامةٍ وأمنٍ مِنْ عِندِنا، ودُعاءٍ لكَ بالخَيرِ والبرَكة، وعلى أُمَمٍ مُؤمِنةٍ مُتناسِلةٍ مِنْ أولادِكَ إلى يومِ القيامة، وأُمَمٌ أخرَى منهمْ لا يَكونونَ على صِفَتِهم، سندَعُهمْ يَتمَتَّعونَ قَليلاً في دُنياهُم، ثمَّ يُصيبُهمُ العَذابُ المؤلِم، الذي يَستَحِقُّونَهُ في الآخِرَة.

﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ الۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَاصۡبِرۡۖ إِنَّ الۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [هود:49]


وتِلكَ القِصَّةُ مِنْ أخبارِ الغَيبِ السابِقَة، نُوحِيها إليكَ أيُّها الرسُولُ كما وَقعَت، ما كانَ لكَ عِلمٌ بها ولا لقَومِكَ قبلَ ذلك، فكيفَ يُقالُ إنَّ هُناكَ مَنْ علَّمَكَ وليسَ منهُمْ أحَدٌ يَعلَمُها؟! فاصبِرْ على أذيَّةِ قَومِكَ وتَكذيبِهمْ إيَّاكَ كما صَبرَ نوحٌ وغيرُهُ مِنْ أنبياءِ الله، فإنَّ حُسْنَ العاقِبةِ، والظفَرَ والفَوز، يَكونُ لصالحِ عبادِ اللهِ الصَّابرينَ المُتَّقين.

﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ اعۡبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ﴾ [هود:50]


وأرسَلنا إلى قَبيلةِ عادٍ واحِداً منهمْ في النسَب، هوَ نبيُّ اللهِ هُودٌ عليهِ السَّلام، فقالَ لهمْ واعِظًا زاجِرًا: يا قومي، اعبدوا اللهَ وحدَه، ولا تَعبُدوا هذهِ الأوثانَ التي سمَّيتُموها آلِهة، فليسَ لكمْ سِوَى إلهٍ واحِد، هوَ ربُّكمْ وخالِقُكمْ ورازِقُكم، فهوَ وحدَه الذي يُعبَد، وما أنتُمْ بعبادتِكمْ لهذهِ الأصنامِ وقَولِكمْ إنَّها آلِهةٌ إلاّ كاذِبون، ومُدَّعونَ مُفتَرون.

﴿يَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [هود:51]


ويا قَومي لا أطلبُ مِنكُمْ مالاً على هذا الذي أُبَلِّغُكُم، حتَّى لا تَظنُّوا أنَّني أبتَغي ثَراءً مِنْ وَرائه، إنَّما أطلُبُ ثوابَ ذلكَ مِنَ الذي خَلقَني ووَهبَني النِّعَم، أفلا تَتدبَّرونَ ما أقولُ لكم؟

﴿وَيَٰقَوۡمِ اسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ السَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡاْ مُجۡرِمِينَ﴾ [هود:52]


ويا قَومي آمِنوا باللهِ ودَعُوا الشِّركَ واستَغفِروا اللهَ منه، وتوبُوا إليهِ واثبتُوا على طَاعتَه، فإذا فَعَلتُمْ ذلكَ يسَّرَ عليكمْ رِزقَكم، وأرْسلَ عليكمْ مطَرًا كثيرًا مُتَتابِعًا مِنْ غَيرِ مَضَرَّة، وأمَدَّكمْ بأمْوالٍ وبَنين ليَزيدَكمْ بها عِزًّا وقوَّةً على ما أنتُمْ عليه، ولا تُعرِضُوا عمَّا نَصحتُكمْ به، ولا تُصِرُّوا على الكُفرِ والتَّكذيب.

﴿قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ﴾ [هود:53]


قالَ الكافِرونَ لنبيِّ اللهِ هُود: يا هُود، ما جِئتنا بحُجَّةٍ واضِحةٍ ودَليلٍ بيِّنٍ على ما تَدَّعيه - قالوا ذلكَ عِنادًا - ولنْ نَترُكَ عِبادةَ آلِهتِنا بسَببِ قَولِك، وما نحنُ بمُصَدِّقي رِسالَتِك.

﴿إِن نَّقُولُ إِلَّا اعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ اللَّهَ وَاشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ﴾ [هود:54]


وقالوا لهُ عليهِ السَّلام: نحنُ نَظنُّ أنَّ بعضَ آلِهتِنا قدْ أصابَتْكَ بخَبَلٍ وجُنون، بسَبَبِ مُخالفَتِكَ إيّانا وسَبِّكَ إيّاها. فقالَ لهم: إنِّي أُشْهِدُ اللهَ على نَفسِي، واشهَدوا أنتُمْ يا قومي، ليَكونَ ذلكَ حُجَّةً عليكم، أنَّني بريءٌ مِنْ هذا الذي تُشرِكونَ به،

﴿مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ﴾ [هود:55]


تعبدُونَ الأصنامَ دونَ اللهَ تعالَى، فاحتالُوا جَميعًا أنتُمْ وآلِهتُكمُ المزعُومَة، وامكُروا بما تَقدِرونَ عليهِ للإضرارِ بي، ممّا زَعَمتُمْ أنَّها تُلحِقُ السُّوءَ بمَنْ لا يَعبُدُها، ولا تُمهِلوني في ذلك، فإنَّني لا أخشَاكُمْ ولا أخشَاها.

وكانوا جبَابِرةً مُجرِمين، سفّاكي دِماء.

﴿إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [هود:56]


إنِّي اعتَمدتُ على الله، وفوَّضتُ أمري إليه، فهو مَالِكي ومالِكُكم، وهوَ الذي يَحفَظُني ويَدرأُ عنِّي ما أخشَى ضَرَرَه، وليسَ مِنْ دابَّةٍ تَدُبُّ على الأرضِ إلاّ وهوَ المُهَيمِنُ عليها، ومالِكُ أمرِها، والمُتَصَرِّفُ فيها كما يَشاء، فالقُوَّةُ لهُ سُبحانَه، وأمْرُهُ الحقّ، ودِينُهُ العَدْلُ والاستِقامة، لا يَظلِمُ أحَدًا إذا حاسبَه، ولا يَنقُصُ مِنْ أجرِ أحَدٍ إذا جَازاه.

﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ﴾ [هود:57]


فإنْ تُعرِضوا عمّا جِئتُكمْ بهِ ِمنْ عِندِ الله، فقدْ قمتُ بواجِبي تُجاهَكم، وبَلَّغْتُ الرِّسالةَ التي كُلِّفْتُ بتأديَتِها، وقامَتْ عليكمُ الحُجَّة، ويُهلِكُكمُ اللهُ ويَستَخلِفُ آخَرينَ مِنْ غَيرِكمْ يَستَقيمونَ على طاعَتِهِ ولا يُشرِكونَ بهِ شَيئاً، ولا يُبالي بكم، فلا تَقدِرونَ على إلحاقِ الضَّرَرِ به، وَضرَرُكمْ ومَعصِيَتُكمْ تَعودُ عاقِبتُها عَليكم، واللهُ لا تَضرُّهُ مَعصيَةُ العاصِين. إنَّ ربِّي أحاطَ عِلمًا بكلِّ شَيء، وهوَ شَاهِدٌ وحافِظٌ لِما كانَ ويَكون، ويُجازي كُلاًّ بما عَمِل.

﴿وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ﴾ [هود:58]


ولمّا حَلَّ عَذابُنا بهم، وأهلَكنا القَومَ الكافِرينَ بالرِّيحِ العَقيم، نَجَّينا هُودًا والمؤمِنينَ معَهُ برَحمَةٍ منّا، فقدْ آمَنوا واستَقامُوا فاستَحَقُّوا رحمَةَ اللهِ ولُطفَه، وخَلَّصناهُمْ مِنْ عَذابٍ شَديد، يُناسِبُ الكفّارَ العُتاةَ الغِلاظ.

﴿وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَاتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ﴾ [هود:59]


وتِلكَ هيَ قبيلَةُ عادٍ التي عاقبَها اللهُ بعَذابٍ كبير، لأنَّهمْ كفَروا بآياتِهِ ومُعجِزاتِه، وعَصَوا رسُلَه، فمَنْ عصَى نبيًّا فقدْ عصَى جَميعَ الرسُل، فرِسالتُهمْ واحِدة، وهمْ مُتَّفِقونَ على التَّوحيد، وهؤلاءِ أبَوا إلاّ الشِّركَ والعِصيان، وتَعالَوا عنْ قَبولِ الحقّ، واتَّبعوا أمرَ كُلِّ مُتَسَلِّطٍ عليهم، مُستَكبِرٍ مُعانِدٍ للحَقّ، طاغٍ مُتَحَدٍّ لآياتِ الله.

﴿وَأُتۡبِعُواْ فِي هَٰذِهِ الدُّنۡيَا لَعۡنَةٗ وَيَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ عَادٗا كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ﴾ [هود:60]


وأُلحِقوا في هذهِ الحياةِ الدُّنيا باللَّعنَةِ تَتْبَعُهمْ وتُلازِمُهم، فصَاروا لا يُذكَرونَ مِنْ بعدُ إلاّ وتَلحَقُهمُ اللَّعنة، وهيَ الإبعادُ والطردُ مِنْ رحمةِ الله، ولُعِنوا في الآخِرَةِ كما لُعِنوا في الدُّنيا، فلا نَصيبَ لهمْ في رَحمةِ الله.

ألَا إنَّ قبيلَةَ عادٍ كفَروا برَبِّهمْ وجَحدوه، ولم يَشكروا لهُ بالإيمانِ والطَّاعة، ألا بُعدًا وهَلاكًا لعَادٍ قَومِ هُود.

وكانَ مَسكنُهمْ بالأحقَاف، وهيَ منطِقةٌ رَمليَّةٌ بينَ عُمَانَ والرُّبعِ الخالي واليمَن، وقدِ اكتُشِفَتْ آثارٌ لهمْ في عُمَان.