تفسير سورة ص

  1. سور القرآن الكريم
  2. ص
38

﴿وَاذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ﴾ [ص:41]


واذكُرْ خبَرَ عَبدِنا النبيِّ أيُّوب، الذي ابتَلَيناهُ بمرَضٍ شَديد، فتضرَّعِ إلى رَبِّهِ ودَعاهُ قائلاً: ربِّ قدْ آذانيَ الشَّيطان، وشَقَّ عَليَّ ذلكَ وآلَمَني، فاكشِفْ عَنِّي ما أصابَني وأنتَ أرحَمُ الرَّاحِمين.

﴿ارۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ﴾ [ص:42]


فقُلنا له: اضرِبْ برِجْلِكَ الأرض، فضرَبَها بها، فنبَعَتْ عَينُ ماءٍ بارِدَةٌ مِنْ تَحتِها، فاغتسَلَ به، وشَرِبَ منه، فشُفيَ وبَرِئ.

﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي الۡأَلۡبَٰبِ﴾ [ص:43]


ووَهَبنا لأيوبَ - بعدَ شِفائهِ - أهلَهُ الذينَ فقدَهمْ أثناءَ مرَضِه، بجَمعِهمْ عليهِ بعدَ تفرُّقِهم، أو بإحيائهمْ بعدَ مَوتِهم، وأعطَيناهُ زيادَةً عَليهمْ آخَرينَ مثلَهم، ربَّما بتكثيرِ نَسلِه؛ رَحمَةً منَّا بهِ وجَزاءَ صَبرِهِ وثَباتِه، وتَذكيرًا للعُقَلاءِ المُعتَبِرينَ بعاقِبَةِ الصَّبر.

﴿وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَاضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ الۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ﴾ [ص:44]


وذُكِرَ أنَّهُ حلفَ أنْ يَضرِبَ زَوجتَهُ مئةَ جَلدَةٍ إذا شُفي، ربَّما لتَقصيرِها في خدَمتِهِ أثناءَ مرَضِه، ثمَّ لم يرَ ذلكَ مُلائمًا، فقالَ اللهُ له: خُذْ بيَدِكَ مِلءَ الكفِّ مِنَ الحَشِيش، وفيهِ مئةُ عُودٍ صِغار، فاضرِبْها بهِ ضَربَةً واحِدَة، فيَجزيكَ ذلكَ عنْ حَلِفِك، ولا تَحنَثُ فيه(131). وكان هذا رَحمةً من اللهِ بهما. لقدْ وجَدْنا أيُّوبَ صابِرًا فيما ابتلَيناهُ بهِ في نَفسِهِ وأهلِهِ ومالِه، فما أحسَنَه، وما أكرَمَ أدبَهُ وخُلُقَه، إنَّهُ مُنيبٌ إلى رَبِّه، كثيرُ الرُّجوعِ إليه.

(131) الحِنْث: الإثم، ويطلقُ على فعلِ ما حلفَ على تركه. (فتح القدير)، وتركِ ما حلفَ على فعله، من حيث إن كلَّ واحدٍ منهما سببٌ له. (روح البيان). أي: لتَبَرَّ في يمينِكَ التي حلفتَ بها عليها أن تضربها {وَلا تَحْنَثْ}، يقول: ولا تحنَثْ في يمينك. (الطبري).

﴿وَاذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي الۡأَيۡدِي وَالۡأَبۡصَٰرِ﴾ [ص:45]


واذكُرْ عِبادَنا الأنبياءَ المُكرَمينَ إبراهيمَ، وإسحاقَ، ويَعقوبَ، ذَوي القوَّةِ في الطَّاعَةِ والتَّقوَى، والبَصيرَةِ في العِلمِ والدِّين.

﴿إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى الدَّارِ﴾ [ص:46]


لقدِ اصطفَيناهُمْ وجعَلناهُمْ خالِصينَ لنا، بسبَبِ خَصلَةٍ جَليلَةٍ فيهم، هيَ جَعلُهمُ الدَّارَ الآخِرَةَ همَّهمُ الأوَّل، وتذَكُّرَهمْ لها دائمًا.

﴿وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ الۡمُصۡطَفَيۡنَ الۡأَخۡيَارِ﴾ [ص:47]


وإنَّهمْ عِندَنا لمِنَ المُختارِينَ مِنْ بَينِ النَّاس، الفاضِلينَ عَليهمْ في الخَير.

﴿وَاذۡكُرۡ إِسۡمَٰعِيلَ وَالۡيَسَعَ وَذَا الۡكِفۡلِۖ وَكُلّٞ مِّنَ الۡأَخۡيَارِ﴾ [ص:48]


واذكُرْ عِبادَنا الأنبِياءَ المُصطَفَينَ أيضًا: إسماعيلَ، واليَسَعَ، وذا الكِفْل، وكُلُّ هؤلاءِ مَشهورونَ بالخَيرِ والفَضلِ والإحسَان.

﴿هَٰذَا ذِكۡرٞۚ وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ لَحُسۡنَ مَـَٔابٖ﴾ [ص:49]


وهذا الذي تُليَ عَليكمْ مِنَ الآياتِ في حَقِّهم، شرَفٌ لهمْ وبَيانٌ لمَنزِلَتِهم، وإنَّ للمؤمِنينَ المُخلِصينَ في اليَومِ الآخِرِ مَرجِعًا طَيِّبًا ومَكانًا حسَنًا.

﴿جَنَّـٰتِ عَدۡنٖ مُّفَتَّحَةٗ لَّهُمُ الۡأَبۡوَٰبُ﴾ [ص:50]


فلَهمْ جَنَّاتُ إقامَةٍ دائمَة، أبوابُها مَفتوحَةٌ لهمْ بانتِظارِ أنْ يَدخُلوها، وتُحَيِّيهمُ الملائكةُ بالسَّلام.

﴿مُتَّكِـِٔينَ فِيهَا يَدۡعُونَ فِيهَا بِفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ وَشَرَابٖ﴾ [ص:51]


وهمْ على الأسِرَّةِ مُتَّكِؤون، يَطلُبونَ ما يَشتَهونَ مِنْ أنواعِ الفاكِهةِ الكثيرَة، والشَّرابِ اللَّذيذِ الوَفير.

﴿۞وَعِندَهُمۡ قَٰصِرَٰتُ الطَّرۡفِ أَتۡرَابٌ﴾ [ص:52]


وعِندَهمُ الحُورُ العِيْن، اللَّواتي لا يَلتَفِتْنَ إلى غَيرِ أزواجِهنّ، وهُنَّ مُتَساوِياتٌ في السنّ.

﴿هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوۡمِ الۡحِسَابِ﴾ [ص:53]


هذا ما تُوعَدونَ بهِ مِنَ النَّعيمِ يَومَ القيامَةِ أيُّها المؤمِنونَ المُتَّقون.

﴿إِنَّ هَٰذَا لَرِزۡقُنَا مَا لَهُۥ مِن نَّفَادٍ﴾ [ص:54]


وهذا الذي أنعَمنا بهِ عَليكم، رِزقٌ لا يَنقَطِعُ عَنكمْ أبدًا.

﴿هَٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَـَٔابٖ﴾ [ص:55]


هذا، وإنَّ للكافِرينَ الذينَ طغَوا وأفسَدوا شَرَّ مَرجِعٍ وأسوأَ مَكان.

﴿جَهَنَّمَ يَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ الۡمِهَادُ﴾ [ص:56]


يَدخُلونَ جَهنَّمَ فيَذوقونَ حرَّها ويُقاسُونَ عَذابَها، وبئسَتْ جَهنَّمُ فِراشًا لهم.

﴿هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ﴾ [ص:57]


هذا هوَ العَذابُ الأليمُ فَليَذوقُوه، ماءٌ شَديدُ الحرَارَة، وماءٌ مُنتِنٌ شَديدُ البُرودَة.

وفي حَديثٍ صحَّحَهُ الحاكِمُ ووَافقَهُ الذَّهبيّ: "لو أنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ في الدُّنيا، لأنتَنَ أهلُ الدُّنيا".

﴿وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ أَزۡوَٰجٌ﴾ [ص:58]


ومَذاقٌ آخَرُ مِنْ مِثلِ ما ذُكِرَ مِنَ الحرارَةِ والنَّتْن، مِنْ ألوانِ ما أُعِدَّ لهمْ مِنَ العَذاب.

﴿هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ النَّارِ﴾ [ص:59]


وتَقولُ المَلائكةُ لرُؤساءِ الضَّلال: هذا جَمعٌ كثيرٌ داخِلونَ معَكم، لا مَرحبًا بهم.

﴿قَالُواْ بَلۡ أَنتُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِكُمۡۖ أَنتُمۡ قَدَّمۡتُمُوهُ لَنَاۖ فَبِئۡسَ الۡقَرَارُ﴾ [ص:60]


قالَ الأتْباعُ لرؤسَائهم: بلْ أنتُمُ الذينَ تَستَحِقُّونَ عدَمَ التَّرحيب، فأنتُمْ دعَوتُمونا إلى الانحِرافِ والضَّلال، الذي آلَ بنا إلى دُخولِ النَّار، فبئسَ المستَقَرُّ جهنَّمُ لنا ولكم.