تفسير سورة ص

  1. سور القرآن الكريم
  2. ص
38

﴿قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدۡهُ عَذَابٗا ضِعۡفٗا فِي النَّارِ﴾ [ص:61]


وقالَ الأتْباعُ أيضًا: اللهمَّ مَنْ كانَ سبَبًا في دُخولِنا هذا المكَان، فضاعِفْ لهُ العُقوبَةَ في النَّار.

﴿وَقَالُواْ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالٗا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الۡأَشۡرَارِ﴾ [ص:62]


وقالَ أهلُ النَّار: ما لَنا لا نرَى معَنا ناسًا كنَّا نَعتَبِرُهمْ في الدُّنيا مِنَ المُستَرذَلينَ والأشرارِ الذينَ لا خَيرَ فيهم. يَعنونَ المؤمِنين، أو فُقَراءَهم.

﴿أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ الۡأَبۡصَٰرُ﴾ [ص:63]


ما الذي جعَلَنا لا نَراهم؟ هلِ ازدَرَدْناهمْ واستَحقَرناهمْ حتَّى لم نَعُدْ نَنظُرُ إلى وجوهِهم، أمْ مالَتْ عُيونُنا عَنهمْ فلمْ ترَهمْ وهمْ حَولَنا؟

﴿إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقّٞ تَخَاصُمُ أَهۡلِ النَّارِ﴾ [ص:64]


وهذا الذي يَجري بينَ أهلِ النَّارِ مِنْ مُخاصَمَةٍ ولَعنٍ حَقٌّ لا شَكَّ فيه.

﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِرٞۖ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الۡوَٰحِدُ الۡقَهَّارُ﴾ [ص:65]


قُلْ للمُشرِكينَ أيُّها الرَّسُول: إنَّما أنا نَذيرٌ لكمْ مِنْ عَذابِ الله، ولستُ مِنَ السِّحرِ والشِّعرِ والجُنونِ في شَيءٍ كما تَزعُمون، ولا إلهَ في الوجودِ سِوَى اللهِ، الواحدِ الذي لا شَريكَ له، الذي غلَبَ كُلَّ شَيءٍ وقَهَرَه.

﴿رَبُّ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا الۡعَزِيزُ الۡغَفَّـٰرُ﴾ [ص:66]


خالِقُ السَّماواتِ العَظيمَة، والأرْضِ وما فيها وما عَليها، وما بينَ السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ المَوجودَات، وهوَ مالِكُهما ومُدَبِّرُهما وَحدَه، العَزيزُ الذي لا يُغلَبُ في أمرٍ مِنَ الأمُور، الكثيرُ المَغفِرَةِ لذُنوبِ عِبادِهِ المؤمِنين.

﴿قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ﴾ [ص:67]


قُلْ لهمْ أيُّها الرَّسُول: إنَّ القُرآنَ الذي أنبَأتُكمْ بهِ وجِئتُكمْ فيهِ بما لا يُعلَمُ إلاّ بوَحي، هوَ خبَرٌ عَظيمٌ، وأمرٌ جَليلٌ لهُ شَأن.

﴿أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ﴾ [ص:68]


ومعَ ذلكَ فأنتُمْ مُتَمادُونَ في الإعرَاضِ عنه، سادِرونَ في غَيِّكمْ وغَفلَتِكمْ عَنه.

﴿مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِالۡمَلَإِ الۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ﴾ [ص:69]


ولو لم يُوحَ إليَّ فكيفَ أعرِفُ اختِلافَ الملائكةِ في شَأنِ آدمَ عليهِ السَّلام - كما يأتي في الآياتِ التَّالية.

﴿إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ﴾ [ص:70]


فالذي أتلوهُ عليكمْ وَحيٌ مِنَ اللهِ، وما أنا إلاّ رَسولٌ إليكمْ ونَذيرٌ واضِحُ الرِّسالَة، بَيِّنُ الإنذَار.

﴿إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ﴾ [ص:71]


إذْ قالَ اللهُ تَعالَى لمَلائكتِهِ قَبلَ أنْ يَخلُقَ آدم: سأخلُقُ إنسانًا مِنْ طِين.

﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ﴾ [ص:72]


فإذا أتمَمْتُ خَلقَه، ونفَختُ فيهِ مِنْ رُوحي(132)، وصارَ بشَرًا حيًّا، فاسجُدوا له، سُجودَ تَحيَّةٍ وتَكريمٍ، لا سُجودَ عِبادَة.

(132) في هامش الآيةِ (29) من سورةِ الحِجر: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}: وجعلتُ فيه الروحَ حتى جرى آثارهُ في تجاويفِ أعضائه، فحيي، وصارَ حسّاسًا متنفِّسًا. (روح البيان). قالَ النيسابوري: ولا خلافَ في أن الإضافةَ في {رُوحِي} للتشريفِ والتكريم، مثل: (ناقة الله)، و (بيت الله). قالَ القرطبي: والروحُ جسمٌ لطيف، أجرَى الله العادةَ بأن يخلقَ الحياةَ في البدنِ مع ذلك الجسم. وحقيقتهُ إضافةُ خَلقٍ إلى خالق، فالروحُ خلقٌ من خَلقه، أضافَهُ إلى نفسهِ تشريفاً وتكريماً. (فتح القدير). وإسنادُ النفخِ وإضافةُ الروحِ إلى ضميرِ اسمِ الجلالةِ تنويهٌ بهذا المخلوق. (التحرير والتنوير).

﴿فَسَجَدَ الۡمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ﴾ [ص:73]


وبعدَ أنْ نُفِخَ فيهِ الرُّوحُ سجَدَ لهُ المَلائكةُ كُلُّهم، ولم يَتأخَّروا،

﴿إِلَّآ إِبۡلِيسَ اسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [ص:74]


إلاّ إبليسَ، استَكبَرَ عنْ تَنفيذِ أمرِ رَبِّه، ورفَضَ أنْ يَكونَ معَ الملائكةِ السَّاجِدين، وصارَ مِنَ الكافِرين، بتَعاظُمِهِ على أمرِ الله.

﴿قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ الۡعَالِينَ﴾ [ص:75]


قالَ اللهُ له: يا إبليس، ما الذي مَنعَكَ أنْ تَسجُدَ لآدمَ الذي خلَقتُهُ بيَدَيّ، أتَكبَّرْتَ عمَّا أمَرتُكَ به، أمْ أنَّكَ مِنَ العالِينَ الذينَ لا يَخضَعونَ لأمر؟

﴿قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ﴾ [ص:76]


قالَ إبليسُ اللَّعين: أنا أفضَلُ مِنْ آدم، فقدْ خلَقتَني مِنْ نار، وخلَقتَهُ مِنَ طِين، والنَّارُ أشرَفُ مِنَ الطِّين، فلماذا أسجُدُ له؟

ومِقياسُهُ فاسِد، وعِصيانُهُ ظاهِر، فالفَضلُ لمَنْ جعلَ اللهُ لهُ الفَضل، والطِّينُ أفضَلُ مِنَ النَّار، فَفيهِ الرَّزانَةُ والحِلمُ والصَّبر، وهوَ محَلُّ النَّباتِ والنموّ... والنَّارُ مِنْ شَأنِها الإحرَاقُ والطَّيش، والجُرأةُ والسُّرعَة، ولهذا كانَ الشَّيطانُ طائشًا، عاصِيًا لرَبَّه.

﴿قَالَ فَاخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ﴾ [ص:77]


قالَ اللهُ تَعالَى له: فاخرُجْ مِنَ الجنَّة، فإنَّكَ مَطرودٌ مِنْ كُلِّ خَيرٍ وكرَامَة.

﴿وَإِنَّ عَلَيۡكَ لَعۡنَتِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ الدِّينِ﴾ [ص:78]


وإنَّكَ مُبعَدٌ مِنْ رَحمَتي، وتَلحَقُكَ لَعنَتي إلى يَومِ القيامَة؛ جَزاءَ عِصيانِك.

﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ﴾ [ص:79]


قالَ إبليس: رَبِّ أمهِلني ولا تُمِتني إلى اليَومِ الذي يُبعَثُ فيهِ آدمُ وذُرِّيَّتُهُ للحِسابِ والجَزاء. وهذا مِنْ حسَدِهِ وعَداوَتِهِ لابنِ آدمَ ليُضِلَّهم، فيُبعَدوا مِنْ رَحمَةِ الله، كما أبعدَهُ اللهُ مِنْ رَحمَتِه.

﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الۡمُنظَرِينَ﴾ [ص:80]


قالَ لهُ رَبُّه: قدْ أمهَلتُك، فأنتَ مِنْ جُملَةِ المؤَخَّرِين؛ لحِكمَةٍ أمتَحِنُ بها عِبادي.