﴿وَإِذۡ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَٰقَ النَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَاشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ الشَّـٰهِدِينَ﴾ [آل عمران :81]
وقدْ أخذَ اللهُ العَهدَ والميثاقَ منْ كلِّ نبيٍّ بَعثَه، مِنْ لَدُنْ آدمَ وحتَّى عيسَى عليهِ السلام: إنِّي إذا أنزلتُ عليكمُ الكتاب، وآتيتُكمُ الحِكمَة، ومَهما بَلغتُمْ مِنْ درَجةٍ في العِلم، ثمَّ جاءَكمْ رسولٌ مِنْ بعد، فإنَّ عَليكمْ أنْ تؤمِنوا بهِ وتَتَّبعوهُ وتَنصُروه، ولا يَمنَعْكُمْ ما أنتُمْ عليهِ منَ النبوَّةِ والعلمِ منِ اتِّباعِه ونُصرَتِه.
وقالَ لهمْ سُبحانَه: أوافَقتُمْ على الذي طَلبتُهُ منكمْ وأخذتُمْ على ذلكَ عَهدي ومِيثاقيَ الشديدَ المؤكَّد؟ قالوا: أقرَرنا بذلكَ ووافَقنا عليه.
قالَ سُبحانَهُ ما مَعناه: فليَشهَدْ بعضُكمْ على بعضٍ بهذا الإقرارِ، وأنا أشهدُ أيضاً على إقرارِكم.
وهوَ المطلوبُ مِنْ أتباعِهم أيضاً، فإنَّ كلَّ نبيٍّ كانَ يوصِيهم بذلك، ليتَّبعوا النبيَّ التاليَ له.
﴿فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡفَٰسِقُونَ﴾ [آل عمران :82]
فمَنْ أعرَضَ عنْ ذلكَ كلِّهِ بعدَ أخذِ الميثاقِ والتأكيدِ بالإقرارِ والشهادة، فإنَّهمْ فاسِقونَ خارِجونَ عنِ الطَّاعة.
﴿أَفَغَيۡرَ دِينِ اللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ﴾ [آل عمران :83]
وهلْ هؤلاءِ المُعرضونَ يُريدونَ دِيْناً غيرَ دِيْنِ الله، وهوَ الذي استَسلَمَ لهُ كلُّ مَنْ في السَّماواتِ والأرض، مُختارِينَ وكارِهين، فإنَّهمْ جميعاً، مُؤمِنُهمْ وكافِرُهم، تحتَ سُلطانِ اللهِ العظيمِ وقضائهِ الذي لا يُرَدّ، ومَصيرُهمْ جميعاً إليهِ في يومِ المَعاد، فيُجازي كلاًّ بعملِه.
﴿قُلۡ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَالۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران :84]
قلْ أنتَ أيُّها الرسولُ ومَنْ معكَ مِنَ المؤمِنين: آمنّا باللهِ وحدَه، وبالقُرآنِ الذي أنزلَهُ علينا، وبما أنزلَهُ على أنبيائه: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويَعقوب، والأسباطِ، وهمْ بطونٌ مِنْ أولادِ يعقوبَ عليهِ السلام، مِنْ صُحُفٍ ووَحْي، وما أوتِيَهُ موسَى، وهوَ التوراة، وعيسَى، وهوَ الإنجيل، وما أوتيَ كلُّ الأنبياءِ منْ ربِّهم منْ كُتبٍ ومُعجِزات، لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ مِنهم، فنؤمِنُ بهمْ جميعاً، وليسَ مثلَ أهلِ الكتابِ الذينَ يؤمِنونَ ببعضٍ ويَكفُرونَ ببعض. ونحنُ مُستَسلِمونَ لأمرِ اللهِ وحُكمِه، مُخلِصونَ في عِبادتِنا له، نُطيعُهُ فيما أمَر، ونَنتهي عَمّا نَهى، ونُؤمنُ بجميعِ ما طلبَ منّا الإيمانَ به.
﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ الۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي الۡأٓخِرَةِ مِنَ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران :85]
ومَنْ يَسلُكْ غيرَ دينِ الإسلامِ طَريقاً ومِنْهَجاً، مِنْ مَذهبٍ أو دِيْنٍ أو فكرةٍ أو نِظام، فإنَّ اللهَ لنْ يَقبَلَ منه، فلا عِبْرةَ بما تُريدهُ أهواءُ البَشر، وإنَّما يكونُ الاعتِقادُ والعمَلُ بما يُشَرِّعهُ ربُّ البَشر، فمَنْ أبَى وتَنحَّلَ غيرَ دينِ الله، فإنَّ اللهَ لنْ يَقبلَ منه، وسيَكونُ منَ الخاسِرين، حيثُ يَنتظرُهُ العذابُ المُقيم، لرفضهِ الحقَّ المُبين، ولتَفضيلهِ الضَّلالَ على الهِداية.
﴿كَيۡفَ يَهۡدِي اللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ الۡبَيِّنَٰتُۚ وَاللَّهُ لَا يَهۡدِي الۡقَوۡمَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [آل عمران :86]
وكيفَ يَهدِي اللهُ قوماً إلى الحقِّ وقدِ ارتَدُّوا عنِ الإسلامِ بعدَ أنْ آمَنوا باللهِ وأقرُّوا بنبوَّةِ الرسولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأحقِّيتِهِ بالاتِّباع، وقامَتْ عليهمُ الحُجَجُ والبَراهين، ووَضَحَ لهمُ الأمر؟ لقدْ ظَلموا أنفسَهمْ بارتدادِهمْ وعودتِهمْ إلى الضَّلال، وإيثارِهمُ الغِوايةَ على الرَّشاد.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمۡ أَنَّ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةَ اللَّهِ وَالۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجۡمَعِينَ﴾ [آل عمران :87]
فأولئكَ جزاؤهمُ الطردُ مِنْ رحمةِ الله، فعَليهمْ لعنةُ اللهِ وملائكتهِ والناسِ أجمَعين.
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ الۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ﴾ [آل عمران :88]
وجزاؤهمُ الخلودُ في النار، لا يُخَفَّفُ عنهمُ العَذابُ ساعة، ولا همْ يُمْهَلون، فقدْ مضَى زمَنُ الإمهال، وحتَّى لو رُدُّوا إلى الدُّنيا فإنَّهمْ سيَعودونَ إلى ما نُهوا عنه.
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران :89]
إلاّ مَنْ تابَ إلى اللهِ بعدَ رِدَّتهِ فآمَن، وحَسُنَ إيمانُه، وأصلحَ ما كانَ أفسد، فصَلَحَتْ أعمالُه، واستَقامَ سلوكُه، فإنَّ اللهَ يَقبَلُ توبتَه، ويَتفضَّلُ عليهِ فيَغفِرُ ذنوبَه، إنَّهُ كثيرُ البِرِّ بعبادِهِ المؤمنين، رحيمٌ بهم، لَطيفٌ معَهم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ازۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ﴾ [آل عمران :90]
إنَّ مَنْ كفرَ بعدَ أنْ هَداهُمُ اللهُ للإيمان، ثمَّ ازدادوا كُفراً وإصرَاراً، واستمرُّوا على ذلكَ إلى أنْ ماتوا، فإنَّ اللهَ لنْ يَقبَلَ توبتَهمْ عندَ الممَات، فأولئكَ همُ الضالُّونَ الذينَ أمضَوا حياتَهمْ في طريقِ الغيِّ والكفر.
ومِنْ أمثلةِ زيادةِ الكفرِ ردُّ الحُجَجِ والآياتِ المتَتالية.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ الۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ افۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ﴾ [آل عمران :91]
وإنَّ الذينَ كفَروا، ثمَّ ماتوا وهمْ كفّار، لنْ يُقْبَلَ منهمْ ثوابُ عَمَلٍ أبداً، ولنْ يُقْبَلَ منهمْ فِداءُ أنفسِهم، ولو كانَ هذا الذي يُفتَدَى بهِ ما يَملأُ الأرضَ ذَهباً، فإنَّ لهمْ عذاباً شَديداً مُوجِعاً، ولنْ يكونَ هناكَ مَنْ يُعِينُهم لدفعِ العَذابِ عنهم أو تَخفيفِه.
﴿لَن تَنَالُواْ الۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [آل عمران :92]
لنْ تَنالوا البِرَّ، وهوَ العَمَلُ الصَّالح، أو ثوابُه، وهوَ الجنَّة، إلاّ إذا أنفَقتُمْ ما تُحِبُّونَهُ مِنْ أموالٍ في سبيلِ الخَير، مِنْ صَدَقةٍ، أو غَيرِها منَ الطَّاعات؛ رَغبةً فيما عندَ الله. وما تُنفِقوا مِنْ شيءٍ كائناً ما كان، صَغيراً أو كَبيراً، طيِّباً أو خَبيثاً، حَلالاً أو حَراماً، فإنَّ اللهَ عليمٌ بهِ وبنيَّاتِكمْ فيه، فيُجازِي كلاًّ بحَسَبِه.
﴿۞كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلّٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسۡرَـٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ مِن قَبۡلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوۡرَىٰةُۚ قُلۡ فَأۡتُواْ بِالتَّوۡرَىٰةِ فَاتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [آل عمران :93]
كلُّ الأطعمةِ كانتْ حَلالاً على بَني إسرائيل، إلا ما حرَّمَهُ إسرائيلُ (يعقوبُ) عليهِ السلامُ على نَفسِه، قبلَ أنْ تَنزِلَ التوراةُ على موسَى، وربَّما حرَّمها لمرضٍ أو نَذْرٍ، فتابَعَتْهُ بَنو إسرائيلَ هكذا، وليسَ تَبَعاً للتوراة، ثمَّ حُرِّمتْ عليهمْ أطعمةٌ لملابساتٍ أخرى؛ عقوبةً لهمْ على معاصِيهمُ المتَتالية.
وقلْ لهمْ يا رسولَ الله: هاتُوا التوراةَ فاقرَؤوها لتُقِرُّوا بصحَّةِ ما قلتهُ لكمْ أيُّها اليهود، وليًتبيَّنَ صدقُ قولِكم، إذا كنتُمْ صادقينَ فيه.
فبُهتوا، ولم يأتوا بها!
﴿فَمَنِ افۡتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [آل عمران :94]
فمَنْ كَذبَ على اللهِ وادَّعَى غيرَ ذلك(21) ، بعدما ظَهرتِ الحُجَّة ووضَحَ لهمُ الحقّ، فهمْ ظالمونَ غيرُ مُنصِفين، قدْ تجاوزوا الحقَّ إلى الباطِل.
(21) ذكرَ العلّامة ابن عاشور، أن الافتراءَ هو الكذب، وهو مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب. (التحرير والتنوير).
﴿قُلۡ صَدَقَ اللَّهُۗ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ الۡمُشۡرِكِينَ﴾ [آل عمران :95]
قلْ لهمْ يا نبيَّ الله: لقدْ صدقَ اللهُ فيما أخبرَ بهِ وشَرَعهُ في القُرآنِ العَظيم، فاتَّبِعوا ملَّةَ إبراهيم، المائلةَ عنْ كلِّ شِرك، الداعيةَ إلى التوحيدِ الخالِص، كما بيَّنها اللهُ في القُرآن، وما كان منَ المشركين، فلِمَ يُشرِكُ أهلُ الكتابِ الذينَ يدَّعونَ أنَّهمْ ورثةُ إبراهيمَ عليهِ السلام؟
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران :96]
إنَّ أوَّلَ بيتٍ وُضِعَ لعمومِ الناسِ في الأرضِ لكي يَعبدوا ربَّهم فيه، هوَ البيتُ الحرام، الذي بَناهُ نبيُّ اللهِ إبراهيمُ في مكَّةَ المكرَّمة، وَضعَهُ بأمرٍ منَ الله، فكثُرَ خيرُه، وعَمَّ نَفعُه، وعَظُمَ ثوابُ قاصدِه، وصارَ هُدًى لهم، لأنَّهُ قِبْلَتُهمْ ومُتَعَبَّدُهم.
﴿فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الۡبَيۡتِ مَنِ اسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران :97]
وفيهِ أدلَّةٌ واضحةٌ على ما شرَّفَهُ اللهُ بهِ وعظَّمه، مِنْ ذلكَ مقامُ إبراهيم، الذي كانَ يعتلي فيهِ على حَجَرٍ ليبنيَ البيت، وهذا المكانُ مقصودٌ بالصلاةِ فيه. وفيهِ الحجَرُ الأسود، وزَمزَم، وقَصدَهُ الأنبياءُ والمرسَلون، والأولياءُ الأبرار. وفيهِ مُضاعَفةُ الثوابِ أضعافاً كثيرة، وقَهرَ اللهُ كلَّ جبارٍ قَصَدهُ بسُوء.
ومَنْ دخلَهُ فقدْ أمِن، فلا يُعْرَضُ لهُ بسُوء.
وقدْ فَرضَ اللهُ الحجَّ إليهِ مرَّةً في العُمُرِ لمَنْ قَدَرَ على ذلك: صحياً، ومالياً، وأمنياً، على ما فصَّلَهُ الفقهاء. فهوَ رُكنٌ من أركانِ الإسلام.
ومنْ كفرَ بما فرضَهُ اللهُ منَ الحجّ، فإنَّ اللهَ غنيٌّ عنْ حجِّهِ وعنْ عبادةِ الناسِ أجمعين.
وإنمَّا شَرعَ اللهُ الحجَّ لِما فيهِ منْ ثوابٍ يعودُ على صاحبِه، فإنَّ "مَنْ حجَّ للهِ فلمْ يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجعَ كيومَ وَلَدَتْهُ أمُّه"، كما في صَحيحِ البُخاريّ.
﴿قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ الۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ﴾ [آل عمران :98]
قلْ يا نبيَّ اللهِ للكفّارِ منَ اليَهودِ والنصارَى: يا أهلَ الكتاب، لماذا تَكفُرونَ بالحُجَجِ القويَّة، والبراهينِ الجليَّةِ التي يُنزِلُها الله؟ واللهُ شاهدٌ على صَنيعِكمْ بما تُخالفونَ بهِ ما نَزلَ منَ الحقّ، وتُعانِدونَ الرَّسولَ وتحارِبونَ رسالتَه.
﴿قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ الۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا اللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ﴾ [آل عمران :99]
وقلْ لهم: لماذا تَمنَعونَ الناسَ منَ الإيمان، وتَقِفونَ حاجِزاً بينَهمْ وبينَ إرادةِ الحقّ، وتَختارونَ بذلكَ الطَّريقَ الأعوجَ على الصَّحيحِ المستَقيم، وأنتمْ شُهداءُ على صِحَّةِ آياتِ الله، وعلى يقينٍ مِنْ صِدْقِ الرسُولِ محمَّد، بما عندكمْ منْ عِلم، وبما ترونَهُ ممّا يُطابِقُ ما أتَى به صلى الله عليه وسلم. واللهُ ليسَ بغافلٍ عمّا تَعمَلون، وسوفَ يُحاسبُكمْ على كفرِكمْ وصدِّكمْ عنِ الإيمان.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ﴾ [آل عمران :100]
أيُّها المؤمنون، إنَّكمْ إذا أطعتُمْ طائفةً مِنْ أهلِ الكتابِ منَ اليَهودِ والنصارَى، فإنَّهمْ سيردُّونَكمْ إلى الكفرِ بعدَ أنْ كنتُمْ مؤمنين، حَسَداً منهمْ على ما آتاكمُ اللهُ منْ فَضل، ومَنحكمْ بهِ منْ رَسول. فلا تَثِقوا بهمْ وبمناهِجهم، ولا تَتلقَّوا عنهمْ ولا تَقتَبِسوا منهم، فإنَّ هذا يدلُّ على ضَعْفٍ منكمْ وثقةٍ بهم.