﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [آل عمران :161]
وما كانَ لنبيٍّ مِنَ الأنبياءِ أنْ يَخون، أو يَحتجزَ شيئاً مِنَ أموالِ الغَنائم، أو يَقْسِمَها لبَعضِ الجُندِ دونَ بَعض، فليسَ هذا مِنْ شأنِ النبوَّةِ العَظيمةِ ولا يَكون. ومَنْ يَخُنْ منكمْ في الجِهادِ ويأخُذْ شيئاً مِنَ الغَنائمِ دونَ إذْن، فإنهُ يَقترفُ ذَنْباً ويَرتكبُ جُرْماً، ويَأتي يومَ القيامةِ وهوَ حامِلٌ ذلكَ الشيءَ الذي سَرَقَهُ فوقَ رَقَبتِه، والكلُّ يراهُ بجُرمِه!
وستَأخذُ كلُّ نفسٍ حَظَّها منَ الجَزاء، إنْ خَيراً أو شَرّاً، ولا يُظْلَمُ أحدٌ في ذلك، لا زِيادةً في عِقاب، ولا نَقصاً مِنْ ثَواب.
﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ اللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ اللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [آل عمران :162]
وهَلْ يَتساوَى مَنْ سعَى في رِضَى اللهِ بطاعتهِ واتِّباعِ سيرةِ نبيِّهِ مع مَنْ رجعَ بغضبِ اللهِ بسببِ مَعصيتهِ وغُلولِه، فكانَ مصيرهُ جهنَّم؟ وبئسَ هذا المكانُ الذي ليسَ فيه سِوَى العَذابِ والنَّكال.
﴿هُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ اللَّهِۗ وَاللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ﴾ [آل عمران :163]
وكِلا الطَّرفينِ متفاوتانِ في مَنازلِهما يومَ القيامة؛ دَرجاتٌ في الجنَّة، ودَرَكاتٌ في النّار. واللهُ بَصيرٌ بأعمالِهم ودَرَجاتِها، ويُجازيهمْ بحَسَبها.
﴿لَقَدۡ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ الۡكِتَٰبَ وَالۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران :164]
إنَّها مِنَّهٌ كبيرةٌ وفَضلٌ عَظيمٌ مِنَ اللهِ على عِبادهِ المؤمِنينَ بإرسالِ نَبيٍّ إليهمْ مِنْ بينِهم، ليَفْقَهوا كلامَهُ بسُهولة، ويَتمكَّنوا مِنْ مُخاطبتهِ ومُجالَستهِ والانتِفاعِ به، يَقرأ عليهمْ آياتٍ بيِّناتٍ مِنْ كتابِ اللهِ العَزيز، ويُرَبِّيهمْ تَربيةً إسلاميَّة، فيُطَهِّرهمْ مِنْ أوضارِ الجاهلية، ودَنَسِ الطبائع، وسُوءِ العَقائدِ التي كانوا عليها، ويأمرُهمْ بالخيرِ ويَنهاهُمْ عنِ الشرِّ والفَحْشاء، ويُعَلِّمُهمُ القُرآنَ والسنَّة، وإنْ كانوا مِنْ قبلُ في غيٍّ وجَهلٍ بيِّن.
﴿أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [آل عمران :165]
وإذا أصابَكمْ ما جَزِعتُمْ منهُ في يومِ أُحُد، وقدْ أَصَبتُمُ المشرِكينَ يومَ بَدر ضِعْفَ ما أصابُوكمْ بهِ، قلتُم: منْ أينَ أصابَنا هذا وكيفَ جرَى؟ قُل: هوَ بسببِ عِصيانِكمْ أوامرَ رسولِكمْ حينَ أمرَكمْ ألاّ تُغادِروا مكانَكم، فأبَيتُمْ ونزلتُمْ تَجمَعونَ الغَنائم. واللهُ يَحكمُ ما يُريد، فإذا أطَعتُمْ انتَصرتُم، وإذا خالفتُمْ أُصِبتُم.
﴿وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ الۡتَقَى الۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ اللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران :166]
وما أصابَكمْ يومَ أُحُدٍ منْ فِرارٍ وقَتلٍ وجِراحَاتٍ هوَ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، ولحِكمَة، ليَظهَرَ ويَتميَّزَ مِنْ بينِكمُ المؤمنونَ الذينَ صَبَروا وثَبتوا ولم يَتزَعزَعوا.
﴿وَلِيَعۡلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّاتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَاللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ﴾ [آل عمران :167]
وليَظهرَ كذلكَ أهلُ النِّفاقِ المُرجِفون، الذينَ قيلَ لهم: تعالَوا جاهِدوا في سَبيلِ اللهِ وقاتِلوا المشرِكين، أو كثِّرُوا سوادَ المسلِمينَ ورابِطوا: قالوا: لو نَعلمُ أنَّكمْ ستَخوضُونَ حَرباً لجئنا مَعكم، ولكنْ لا حَرب. فرجَع كبيرُ المنافقينَ عبدُاللهِ بنُ أبي سَلُولٍ بثُلُثِ الجَيش! فهؤلاءِ صارُوا أقربَ إلى الكفرِ منهمْ إلى الإيمان، حيثُ كانوا سابِقاً يَتظاهَرونَ بالإيمان، فلمّا خَذلوا عسكرَ المسلِمينَ تَباعَدوا عنِ الإيمانِ واقتَربوا منَ الكفر. إنَّهمْ يَقولونَ بألسنتِهم غيرَ ما يُضمِرونَهُ في قُلوبِهم، فقدْ كانوا عازِمينَ على الارتدادِ والانخِذال. واللهُ أعلمُ بما يُخفونَهُ منْ كُفرٍ ونِفاق، وما يَغْمِرُ قلوبَهم مِنْ شرٍّ وفَساد.
﴿الَّذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَادۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ الۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [آل عمران :168]
إنَّهمُ المنافقون، الذينَ قالوا لأقرِبائهمْ - وهمْ قدْ قَعَدوا عنِ القتال -: لو أطاعُونا وسَمِعوا مَشُورَتَنا فيما أمَرناهمْ منَ الرجوعِ ووافقُونا على ذلك، لمَا قُتِلوا كما لم نُقتل.
قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: إنْ كانَ القُعودُ يُنْجِي مِنَ القَتلِ والمَوت، فادفَعوا عنْ أنفسِكمُ الموتَ الذي كُتِبَ عليكمْ إنْ كنتُمْ صادقينَ في قولِكم! لكنَّهُ آت، ولا بدَّ لكمْ منه، ولو كنتُمْ في بُروجٍ مُشَيَّدة، وفي أحسَنِ صِحَّة!
﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾ [آل عمران :169]
ولا تَظُننَّ الذينَ فارقوا لحياةَ مِنَ الشُّهداءِ قدْ ماتُوا حقًّا، وإنْ ظَهرَ قَتلُهم في هذه الحياةِ الدُّنيا، فإنَّ أرواحَهُمْ حيَّةٌ تُرْزَقُ عندَ اللهِ في دارِ القَرار.
﴿فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [آل عمران :170]
وهمْ فَرِحُونَ مُغتَبِطونَ بفَضلِ اللهِ عَليهمْ ورِضائهِ عَنهم، ويَستَبشِرونَ بإخوانِهمُ الذينَ يُقْتَلونَ بعدَهمْ في سبيلِ اللهِ ألاّ خوفٌ عليهمْ فبما يَستَقبِلونَه، فهمْ أمامَ نِعمةٍ وفَضلٍ يَفِيضُ عَليهم، ولا همْ يَحزنونَ على ما فاتَهُمْ مِنَ الدُّنيا، فالآخِرةُ لهمْ خَيرٌ وأبقَى.
﴿۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ اللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران :171]
إنَّهمْ يَستَبشِرونَ ويُسَرُّونَ بما رأوا ما وُعِدوا بهِ مِنْ جَزيلِ الثَّوابِ مِنْ فَضلِ اللهِ ونِعمتِه. وهذا شَأنُ اللهِ معَ المؤمِنينَ الصَّادقين، فيُكرِمُهم، ويُجزِلُ لهمُ الثَّواب.
﴿الَّذِينَ اسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ الۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَاتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران :172]
لقدِ استَجابوا لنِداءِ الله، وأطاعُوا رسولَهُ عندَما دَعاهُمْ لتَتَبُّعِ المشرِكينَ ليُرعِبوهمْ ويُرُوهُمْ أنَّ بهمْ قوَّةً وجَلَداً، ولو أنَّهمْ كانوا مُرْهَقين مُثخَنينَ بالجِراح، ولم يَنْدُبْ أحداً لملاحقِتِهم حتَّى "حمراءِ الأسدِ"(26) إلاّ مَنْ ثَبتَ معَهُ يومَ أُحُد. وكانَ أبو سفيانَ قدْ عَتبَ على المشرِكينَ لأنَّهمْ لم يَغزوا المَدينَة.
وقدْ تَحقَّق الغَرضُ منْ تَتبُّعِهم، فرجَع أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَما لم يَروا أحداً. فهؤلاءِ الذينَ استَجابوا وثَبتوا على مواقفِهمْ واتَّقَوا ربَّهم، لهمْ ثَوابٌ كَبير.
(26) موقع يبعد عن المدينة 20 كم جنوبها. وهو اسم غزوة أيضًا.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَاخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا اللَّهُ وَنِعۡمَ الۡوَكِيلُ﴾ [آل عمران :173]
إنَّهمُ المجاهِدونَ المؤمِنون، الصَّابرونَ المتوكِّلون، الذينَ توعَّدهمُ الناسُ بالجُموعِ الكبيرةِ وخوَّفوهُمْ كثرةَ الأعدَاء، فما اكتَرثوا لذلكَ وما جَبُنوا، بلْ زادَهمْ ذلكَ إيماناً وثَباتاً وعَزيمة؛ لحُسنِ تَوكُّلِهمْ على الله، ويَقينِهمْ بما وَعَدَهُمُ اللهُ به، فاستَعانوا بهِ وقالوا: حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل، فهوَ حَسْبُنا وكافِينا، ونرضَى بهِ وحدَهُ وكيلاً وحافِظاً.
﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ اللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَاتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ اللَّهِۗ وَاللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران :174]
فرجَعوا إلى بلدِهمْ وقدْ ردَّ اللهُ عنهمْ بأسَ مَنْ أرادَ كيدَهمْ وأذيَّتَهم، وكفاهُمْ لحُسنِ توكُّلهمْ عليه، فسَلِموا ونجَوا، ونالوا رِضوانَ اللهِ باستجابةِ نِداءِ رسولِه، وفَضلُ اللهِ عَظيمٌ على عِبادهِ المؤمنين.
﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران :175]
إنَّما هوَ الشَّيطانُ الذي يُوهِمُكمْ أنَّهُ ذو بَأسٍ وشِدَّة، ويُلْبِسُ أنصارَهُ لباسَ القوَّةِ والقُدرة، ويُوقِعُ في القُلوبِ أنَّهمْ ذَوو حَوْلٍ وطَوْل، وأنَّهمْ سيَنتصِرون، فلا تَخافوا المشرِكينَ أولياءَ الشَّياطين، الذينَ يَنشُرونَ الفسادَ والباطِل، بلْ خافونِ والتَجِؤوا إليّ، فأنا كافِيكمْ وناصرُكمْ عليهمْ ما نَصَرْتُموني.
﴿وَلَا يَحۡزُنكَ الَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي الۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي الۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران :176]
كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشفِقُ على الناسِ ويَحْرِصُ على إيمانِهم، فإذا بادرَ بعضُ المشرِكينَ إلى المخالفةِ والعِنادِ اغتَمَّ وحَزِنَ لذلِك، فقالَ اللهُ ما مَعناه: لا تَحزَنْ مِنْ عَملِ الكافِرينَ عندَما يُسارِعونَ إلى مُخالفتِكَ ويَقعونَ في الكُفرِ سَريعاً لحرصِهمْ عليهِ وشِدَّةِ رَغبَتِهمْ فيه، فهؤلاءِ غيرُ قادرِينَ على أنْ يُلحِقوا باللهِ ضَرراً ولا بأوليائه، إنَّما يُريدُ اللهُ بانْهماكِهم في الكُفرِ حِرمانَهم منَ النَّعيمِ وتعذيبَهمْ بالنَّار، ولذلكَ تركَهمْ بلا هِدايةٍ حتَّى يَهلِكوا على الكُفر، وعذابُهمْ جَزاءَ طُغيانِهم هائلٌ كَبير.
﴿إِنَّ الَّذِينَ اشۡتَرَوُاْ الۡكُفۡرَ بِالۡإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيۡـٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [آل عمران :177]
وإنَّ الذينَ استَبدلُوا الكفرَ بالإيمان، رغبةً في الأوَّلِ وإعراضاً عنِ الآخَر، لنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيئاً، إنَّما ضَررُهمْ على أنفسِهم، عندما يَأتي على أبدانِهمْ عذابٌ مُؤلمٌ شَديد، جزاءَ سُرورِهمْ بالكُفرِ في الدُّنيا.
﴿وَلَا يَحۡسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [آل عمران :178]
ولا تَظُنَّنَّ أيُّها الرسُولُ أنَّ إمهالَنا الكافِرينَ فيهِ خيرٌ ومَنفَعةٌ لهم، إنَّما نُؤخِّرُهمْ في الحياةِ الدُّنيا لتَزدادَ آثامُهمْ وتَكثُرَ ذنوبُهم، فيزدادَ عذابُهم، وعذابُهمْ في الآخِرةِ يَكونُ مُذِلاًّ لهم؛ جزاءَ عنادِهمْ وتَجبُّرِهم.
﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الۡخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى الۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ﴾ [آل عمران :179]
ما كانَ اللهُ لِيَدعَ المؤمِنينَ هكذا بدونِ تَمحيصٍ وابتِلاءٍ وقدِ التبسَ بهمُ المنافِقون، فكانَ لا بدَّ منَ المِحنةِ حتَّى يَظهرَ الوليُّ منَ العَدوّ، ويَبِيْنَ المؤمِنُ الصَّابرُ منَ المنافقِ الفاجِر، وذلك يَومَ أُحُد، وكانَ كذلك، حيثُ تَبيَّنَ المخلِصونَ المجاهِدونَ الذينَ ثَبتُوا معَ رسولِ الله، وظَهرتْ مخالفةُ المنافِقينَ وخيانتُهمْ للهِ ورسولِه.
وأنتمْ لا اطِّلاعَ لكمْ على الغَيب، ولا ما تَكُنُّهُ قُلوبُ المنافِقينَ منْ كفرٍ ونِفاق، ولولا هذهِ الأسبابُ التي أجرَاها اللهُ لكم، لَما عرفتُمْ خبرَهمْ وشِدَّةَ عَداوتِهمْ لكم. ويَختارُ اللهُ مِنْ رُسُلهِ منْ يَشاء، كمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ليَتبيَّنَ مَنْ يَتَّبعُهُ ومَنْ لا يَتَّبعُه، ومَنْ يُعاديهِ مِنْ غيرِه، فيَتميَّزُ الخَبيثُ مِنَ الطيِّب، ويُخبرُهُ اللهُ بما صَدرَ عنِ المنافِقينَ مِنْ أقوالٍ وأفعَال، فيَفضَحُهم، ويخلِّصُكمْ مِنْ شرِّهمْ وإيذائهم.
فأطِيعوا اللهَ واتَّبِعوا ما يأمرُكمْ بهِ رسولُهُ ممّا شَرعَ لكم، وإنْ تُؤمنوا باللهِ حقَّ الإيمان، وتَتَّقوهُ بمراعاةِ حُقوقِه، فلكمْ ثوابٌ عَظيمٌ لا تَعرِفونَ قَدْرَه.
﴿وَلَا يَحۡسَبَنَّ الَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [آل عمران :180]
ولا يَظُنَّنَّ الذينَ يَبخَلُونَ بأموالِهمْ فيَكنِزونَها ولا يُنفِقونَها في حقِّها أنَّ ذلكَ أفضَلُ لهمْ وأحسَن، بلْ هوَ شرٌّ لهم، وسوءُ عاقبةٍ يَنتظرُهم، فإنَّ تلكَ الأموالَ ستَتحوَّلُ إلى نيرانٍ فَظيعةٍ تُحيطُ بهمْ وتُطَوِّقُهم؛ جَزاءَ إمساكِهمْ ما تفضَّلَ اللهُ بهِ عليهمْ مِنْ مال، وسيَعلمونَ عندئذٍ أنَّ حِفْظَهُمْ لتلكَ الأموالِ كانَ حفظاً لنارٍ تَنتَظرُهم.
وليسَ اللهُ بحاجةٍ إلى أموالِهم، فهُمْ وأموالَهم وما في السَّماواتِ والأرضِ مُلْكٌ لله، ويَرِثُ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ بعدَ فَناءِ مَخلوقاتِهما. فكلُّ شَيءٍ مَرجِعهُ إليه، ومَنْ أنفقَ فإنَّما يُقَدِّمُ لنفسِهِ خَيراً، واللهُ خَبيرٌ بنيّاتِكمْ في المنعِ والبُخل، ويُجازيكمْ على ذلك.