﴿وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِاللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ الۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِالۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام :81]
وكيفَ أخافُ مِنْ أصنامِكمُ المصنُوعةِ مِنْ حِجارة، وهيَ لا تَسمعُ ولا تَتكلَّم، ولا تَدري بأمرِ عِبادتِكمْ لها، وأنتُمْ لا تَخافونَ مِنْ إشراكِكُمْ باللهِ العَظيمِ وعبادتِكمْ مِنْ دونه، وهوَ خالقُ السَّماواتِ والأرضِ وما فيهما مِنْ أشياء، على كثرتِها وتنوُّعِها، وعبادتُكمْ لها لا أساسَ لها مِنَ الصحَّة، فلمْ يُنـزلِ اللهُ بذلكَ حُجَّةً ولا دَليلاً، وأمرُ العبادةِ مَتروكٌ للهِ وحدَه، لا يَشْرَعُ الإنسانُ شَيئاً منها.
فأيُّ الجانبَينِ على الحقِّ والصَّواب: الذي يَعبدُ ما لا يَضرُّ ولا يَنفَع، أمِ الذي يَعبدُ مَنْ بيدهِ الضرُّ والنَّفع؟ وأيُّهما أحقُّ بالأمنِ منْ عَذابِ الله، أخبِروني بذلكَ إنْ كنتُمْ منْ أهلِ العِلم.
﴿الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ الۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الأنعام :82]
إنَّ الذينَ آمَنوا حقَّ الإيمان، ولم يَخلِطوا إيمانَهمْ بشائبةٍ مِنْ شِرك، فهمُ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ يومَ القيامَة، وهمُ المهتَدونَ إلى العَقيدةِ الصَّحيحَة، ومَنْ عَداهُمْ في ضَلال، كمنِ ادَّعى الإيمانَ وهوَ يتَّخِذُ الطَّواغيتَ شُفَعاءَ إلى الله، ويَعتبِرُ ذلكَ مِنْ تَتِمّات الإيمانِ بالله!
﴿وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ﴾ [الأنعام :83]
وما احتجَّ بهِ إبراهيمُ على قومِهِ مِنْ فَسادِ عَقيدتِهمْ وصحَّةِ ألوهيَّةِ اللهِ وربوبيَّته، هوَ ما حكمَ اللهُ عليهِ بالصِّدقِ والرُّشد، نَرفَعُ شَأنَ مَنْ نُريدُ فنَهَبُهُ العِلمَ والحِكمةَ والتَّوفيق، واللهُ حَكيمٌ فيما يَفعلُ ويُقَدِّر، عليمٌ بمنْ يَستَحِقُّ الهِدايةَ والضَّلال، وبمنْ يَرفعُ درجتَهُ أو يَحُطُّها.
﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الأنعام :84]
ووَهبنا لإبراهيمَ بعدَ أنْ كَبِرَ في السنِّ وأيسَتْ زوجتُهُ سارة: إسحاقَ، وابنَهُ يَعقوب، لتقَرَّ عينهُ باستِمرارِ العَقِب، كِلاهما صالِحٌ مُهتَدٍ ونَبيّ. وقبلَ إبراهيمَ نوح، هَديناهُ وجعَلناهُ نبيّاً كذلك، ووَهبنا لهُ ذُرِّيةً صالِحة، فالنَّاسُ كلُّهمْ مِنْ ذُرِّيتِه، والأنبياءُ كلُّهم مِنْ ذُرِّيةِ إبراهيم، منهمْ داود، وسُلَيمان، وأيُّوب، ويوسُف، وموسى، وهارون، وكذلكَ نَجزيهمْ خيراً كما جَزينا جَدَّهمْ إبراهيم، ونرفَعُ درَجاتِهم.
﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ الصَّـٰلِحِينَ﴾ [الأنعام :85]
ومِنْ ذرِّيتهِ زَكريّا، وابنُهُ يَحيَى، وعيسَى، وكلُّ هؤلاءِ صالِحونَ مُهتَدون، أنبياءُ مُكرَمون.
﴿وَإِسۡمَٰعِيلَ وَالۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام :86]
وكذا إسماعيل، واليَسَع، ويونُس، ولُوط، وهوَ ابنُ أخي إبراهيم، دخلَ في ذرِّيتهِ تَغليباً، وكلُّ واحدٍ مِنْ هؤلاءِ فَضَّلناهُ بالنبوَّةِ على العالَمِ كلِّه، في وقتِهم. عليهمْ جَميعًا صَلواتُ اللهِ وسَلامُه.
﴿وَمِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡ وَإِخۡوَٰنِهِمۡۖ وَاجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الأنعام :87]
وممَّنْ شَمِلَهمْ تَوفيقُ اللهِ وهدايتُه، بَعضُ آبائهم، وذُرِّياتِهم، وإخوانِهم، فقدِ اصطَفَيناهمْ وهدَيناهمْ إلى الطَّريقِ الصَّحيحِ والثَّباتِ على طاعَةِ الله.
﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام :88]
تلكَ هدايةُ الله، يَهدي بها مَنْ شاءَ مِنْ عِبادهِ ممَّن وجدَ عندَهمُ الاستعدادَ والتقبُّل، وزادَهمْ إحسَاناً وتَوفيقاً، ولو أنَّهمُ انحرَفوا وأشرَكوا لبَطَلَ ثوابُ أعمالِهمُ الصَّالحة، ولو كانوا أصحابَ وَجاهةٍ وفَضل.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ الۡكِتَٰبَ وَالۡحُكۡمَ وَالنُّبُوَّةَۚ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ﴾ [الأنعام :89]
أولئكَ الأنبياء، الذينَ أنعَمنا عليهم، فأنزَلنا عليهمُ الكتاب، ووهَبناهُمْ مَعرِفةَ حَقائقِ الأشياء، والقُدرةَ على تَفهُّمها، والحكمَ فيها بالحقِّ والعَدل، وآتيناهُمُ النبوَّة، ليُعَلِّموا الناسَ ويُبيِّنوا لهمُ الطريقَ الصَّحيحَ في شؤونِهمُ الحياتيَّةِ والأُخرَويَّة، فإنْ يَكفُرِ المشرِكونَ بالنبوَّة، فقدْ وفَّقنا للإيمانِ بها والقيامِ بحقوقِها قوماً آخَرِينَ لا يَجحَدونها، بلْ يُقيمونَ عليها ويُدافِعونَ عنها بأرْواحِهم.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ اقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام :90]
أولئكَ الأنبياءُ المذْكورونَ همُ الذينَ هَديناهُمْ إلى الحقّ، فسِرْ على طريقتِهمْ في الإيمانِ والتوْحيد.
وقُلْ إنَّني لا أطلبُ على تَبليغي هذا الدِّينَ أُجرَة، وما هوَ إلاّ تَذكيرٌ للناسِ وإرشادٌ لهمْ إلى طَريقِ الحقّ، وبيانٌ للهُدَى والإيمان، وتحذيرٌ منَ الكفر ِوالضَّلال.
﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ الۡكِتَٰبَ الَّذِي جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرٗاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ اللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ﴾ [الأنعام :91]
وما عظَّموا اللهَ التعظيمَ المطلوب، ولا عَرَفوهُ حقَّ معرفتِه، عندما أنكَروا الكتُبَ السَّماويَّة، وكذَّبوا الرُّسل، وكفَروا بالوَحي المُنـزَلِ منْ عندِ الله، فقلْ لهؤلاءِ المشرِكينَ المُنكرِينَ - أو اليهودِ - : لماذا تُنكِرونَ تَنـزيلَ القُرآنِ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتؤمِنونَ بالتوراةِ المُنـزَلةِ على موسَى لتكونَ هِدايةً للناسِ وإرشاداً لهمْ في الحياةِ إلى الحقّ، وأنتُمْ تَنقلونَ منها فِقْرات ٍوفُصولاً وتَجعلونَها في أوراق، بعدَ تَحريفِها وتَزويرِها وإخفاءِ كثيرٍ منَ المعلوماتِ فيها، وتَقولونَ للناسِ هذا منْ كتابِ اللهِ المنُـزَل؟!
وقدْ جاءَكمْ منَ الأخبارِ والقَصَصِ والآياتِ في القُرآنِ ما لا عهدَ ولا علمَ لكمْ ولا لآبائكمْ بها. قلْ لهم: إنَّ اللهَ هوَ الذي أنزلَ هذهِ الكُتب، ومنها القُرآنُ الكريم، ثمَّ دَعْهُمْ في باطلِهمْ وضَلالِهمْ يلتَهون.
﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَالَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِالۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام :92]
وهذا القُرآنُ أنزلناهُ مِنْ عندِنا لا ريبَ فيه، كثيرُ الفائدةِ والنَّفع، كلُّهُ حقٌّ وهِداية، وتَوجيهٌ وحِكمة، مُصَدِّقٌ للكُتبِ السَّماويَّةِ السابقَة، ومنها التَّوراة، لتُنذرَ بهِ وتبلِّغَهُ أهلَ مكَّةَ ومَنْ حولَها في المشارقِ والمغارب.
والمؤمِنونَ باللهِ وباليومِ الآخِرِ وما فيهِ مِنْ ثَوابٍ وعِقاب، يؤمِنونَ بالقرآنِ المُنـزَلِ عليكَ أيُّها النبيّ، وهمْ محافِظونَ على صَلواتِهمُ المكتوبةِ عَليهم، فهي عِمادُ الدين.
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ افۡتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ الظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ الۡمَوۡتِ وَالۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ الۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ الۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيۡرَ الۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [الأنعام :93]
وليسَ هناكَ أظلمُ ممَّنْ كذَبَ وادَّعى أنَّ للهِ شَريكاً في الأُلوهيَّة، منْ صنَمٍ وولدٍ وغَيرِ ذلك، أو ممَّنِ ادَّعى النبوَّةَ وهوَ كاذِبٌ لم يوحِ اللهُ إليهِ بشَيء، أو ممَّنْ قالَ إنَّهُ سيأتي بكتابٍ مثلِ القُرآنِ في بَيانهِ وإعْجازِه.
ولو نظرتَ فرأيتَ الكافِرينَ الظَّالمينَ في سكَراتِ الموتِ وكرُوبِه، وقدْ بسَطَتِ الملائكةُ الموكَّلةُ بقَبضِ أرواحِهمْ أيديَها عليهمْ بالضَّربِ والعَذابِ على وجوهِهمْ وأدبارِهم، وأرواحُهمْ مُتَشَبِّثةٌ بأجسادِهمْ لا تريدُ أنْ تَخرُج، حيثُ إنَّها تُبَشَّرُ بالعَذابِ والإهانة، وتقولُ لهمْ الملائكة: أخرِجوا أنفسَكمْ كَرْهاً، فاليومَ تُعاقَبونَ بالعَذابِ المُذِلِّ المُهين، جزاءَ كَذِبِكمْ على اللهِ ورسلِه، وعنادِكمْ واستِكبارِكمْ عنِ اتِّباعِ الحقِّ وإعراضِكمْ عمّا أنزلَهُ الله.
﴿وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ﴾ [الأنعام :94]
وقدْ جئتُمْ إلى ربِّكمْ للحِسابِ منفَردِين، بدونِ أعوانٍ ولا أوْثان، بلْ وقفتُمْ في المحشَرِ بدونِ لباسٍ ولا نِعال، وتركتُمْ وراءَكمْ ما أعطيناكمْ منَ المالِ والولَدِ والنِّعَم، التي شغلتْكُمْ عنِ الآخِرَة، فلمْ تنفَعْكمْ بشَيءٍ في يومِكمْ هذا، ولم نَجِدْ معكمْ آلهتَكمُ الذينَ كنتُمْ تعبدونَهمْ وتَستَنصِرونَ بهم، وتَزعُمونَ أنَّهمْ شُركاءُ لله في الربوبيَّةِ والعِبادة، وأنَّهمْ سيَشفَعونَ لكمْ عندَ اللهِ لقضاءِ حوائجِكم. لقدِ انقطعَ ما بينَكمْ منْ أسبابٍ ووسائلَ فيما كنتُمْ تَزعُمونَهُ لهم، وذهبَ عنكمْ ما ظننتُمْ مِنْ رَجائهم، وبَطَلتْ أمامَكمْ عقيدتُكمُ الفاسِدَةُ في ذلك.
﴿۞إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الۡحَبِّ وَالنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ الۡحَيَّ مِنَ الۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ الۡمَيِّتِ مِنَ الۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ﴾ [الأنعام :95]
إنَّ اللهَ بقُدرتهِ وإبداعهِ في خَلْقِه، شَقَّ الحبوبَ والنَّوَى تحتَ الأرضِ لتُنتِجَ الزُّروعَ والثِّمارَ بأنواعِها وأشكالِها وطُعومِها، فيُخرِجُ الحيَّ ممّا يَنمو مِنْ هذهِ الحبوبِ اليابسَةِ المَيتة، وهوَ مُخرِجُ الميِّتِ منَ الحيّ، كإخراجِ ما يُستفادُ منهُ للطَّعمِ والقُوتِ منَ الحيوانات، أو أضرابِ ذلكَ مما يُخْرَجُ منها للعُطورِ والصِّناعات، وكذلكَ دَوْرَةُ الخلايا في الحيوانِ والنَّباتِ التي تَكونُ في تجدُّدٍ مستَمِرّ، فتَموتُ القديمةُ ويَنشأ ما هو جَديد... واللهُ هوَ الذي خَلقَ فيها كُلَّ هذا، بعلمهِ وحِكمتهِ وقُدرتِه، فكيفَ تُصْرَفونَ عنِ الحقِّ إلى الباطِل، وتَعبُدونَ معَ اللهِ ما لا قُدرةَ لهُ على خَلقِ شَيءٍ مِنْ هذا أو أقلَّ منه؟!
﴿فَالِقُ الۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ الَّيۡلَ سَكَنٗا وَالشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ الۡعَزِيزِ الۡعَلِيمِ﴾ [الأنعام :96]
وهوَ الذي شقَّ ظُلمةَ اللَّيلِ بالصَّباحِ المضيءِ ليؤذِنَ بالعَملِ والنَّشاط، وجعلَ الليلَ مُظلِماً تَسكنُ فيه الأشياء، ويَرتاحُ فيهِ الإنسانُ مِنْ عملِ النَّهار، فيَهدأُ ويَنام.
وجعلَ الشَّمسَ والقمرَ دَليلاً وضَبْطاً لحِسابٍ مُقدَّرٍ لا يَتقدَّمُ ولا يَتأخَّر، لتَعرِفوا بهِ الأوقاتَ والتَّواريخ، في العِباداتِ والمعامَلاتِ والمعاهَدات، بالسَّاعاتِ والأيَّام والشُّهورِ والسَّنوات.
وهذا كلُّهُ مِنْ تَقديرِ اللهِ العَزيز، الذي لا يَصْعُبُ عليهِ شَيء، العَليمِ الذي لا يَغِيبُ عنهُ شيءٌ ممّا بثَّهُ في الكَونِ كلِّه.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ الۡبَرِّ وَالۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا الۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام :97]
وهوَ اللهُ الذي أنشَأَ النُّجومَ وقدَّرها في أبعادٍ معيَّنةٍ بَعضِها عن بَعض، وفي جِهاتٍ مُختلِفة، معَ سُطوعِها في أوقاتٍ محدَّدة، لتكونَ لكمْ دَليلاً إلى معرفةِ الجهاتِ في اللَّيالي المظلمة، في البرِّ والبحر.
وقدْ بيَّنا هذهِ الآياتِ التي فيها ذِكْرٌ لنِعَمِ اللهِ لمنْ يَعقِلُ ويَتدبَّر، ويَعرِفُ الحقَّ فيتَّبعُهُ ويَعملُ بموجبِه.
﴿وَهُوَ الَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا الۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ﴾ [الأنعام :98]
وهوَ اللهُ الذي خَلَقكمْ جَميعاً مِنْ نَفسٍ واحِدَة، هيَ آدم، ولكمُ استِقرارٌ في أرحامِ أمَّهاتِكم، واستيداعٌ في أصلابِ آبائكم. وقدْ بيَّنا هذهِ الحُجَجَ والأدلَّةَ لمنْ يَفْطَنونَ إلى ذلكَ ويتدبَّرونَ دقَّةَ الخَلقِ وإبداعَه.
﴿وَهُوَ الَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ النَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَالزَّيۡتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ انظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنعام :99]
وهوَ الذي أنزلَ الأمطارَ منَ السَّحابِ ليَنتفِعَ بها العِباد، فأخرَجنا بالماءِ كلَّ أنواعِ النبَاتات، ومِنْ هذهِ النبَاتاتِ أخرَجنا الزُّروعَ والأشجارَ الخَضراء، وأخرَجنا مِنْ هذهِ الأشجارِ والنباتاتِ الثِّمارَ والحبوبَ المتراصَّة، ومِنْ طلْعِ شَجرِ النخيلِ أخرَجنا أغداقاً فيها ثَمَرُ الرُّطَب، مُنثَنيةً، وقَريبةَ التناول.
ونُخرِجُ بالماءِ بَساتينَ كثيرةً مُنتَشِرَةً في الأرضِ منَ الأعناب، وكذلكَ الزَّيتون، والرمّان، وبعضُ ذلكَ مُتشابِهٌ وبعضُهُ غيرُ مُتشابِه، في الهَيئةِ والمِقدار، واللَّونِ والطَّعم، وانظُروا وتفَكَّروا في ثَمَرِ الزَّيتونِ عندما يَنْضَج، وإلى ثَمَرِ الرمّانِ كذلك، وقدْ تجمَّعتْ حُبَيباتُهُ وتراكبَ بعضُها فوقَ بعض، في شكلٍ هَندسيٍّ جميل، معَ طَعمٍ لذيذٍ وفائدةٍ صِحِّيَّة، فيهِ وفي الزَّيتون، وغيرِهما منَ الثِّمارِ المتنوِّعة، وإنَّ في ذلكَ كلِّهِ أدلَّةً واضحةً على قُدرةِ اللهِ وبَديعِ صُنعه، وعلى عَظمتهِ وحِكمتهِ ووَحدانيَّته، لمنْ أرادَ أنْ يَستَدِلَّ بها على الإيمانِ به، وتَصديقِ ما أنزَلَه.
﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ الۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُواْ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتِۭ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام :100]
وقدْ جَعلَ المشرِكونَ الجنَّ شُرَكاءَ للهِ في العِبادةِ فعبَدوهمْ معه، وهوَ الذي خلقَهمْ كما خلقَ الإنس، فكيفَ يَعبدُونَ مخلوقاً؟
واختلَقوا للهِ بنينَ وبناتٍ فكذَبوا وافترَوا، كما قالتِ النصارَى: عيسى ابنُ الله، وقالتِ اليهود: عُزَيرٌ ابنُ الله، وقالَ المشرِكون: الملائكةُ بَناتُ الله! قالوا كلَّ هذا زُوراً وإفْكاً، بدونِ فِكرٍ ولا رَوِيَّة، وبدونِ أيَّةِ حُجَّةٍ أو عِلم، بلْ قالوا ذلكَ جَهلاً باللهِ العَظيم، الذي ليسَ هوَ منْ جِنسِ البشَر، فلا صَاحَبَةَ لهُ ولا ولَد، ولا نِدَّ لهُ ولا شَبيه، بلْ هوَ الإلهُ الواحِدُ الأحَد، المنفَرِدُ بالخَلقِ والرزْق، فسُبحانَه، تَقدَّسَ وتَنَـزَّهَ وتَعاظمَ عمّا يَصِفهُ بهِ المشرِكون.