﴿إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ الرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ النِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ﴾ [الأعراف :81]
إنَّكم تأتونَ الذُّكورَ منَ الرِّجالِ في أدبارِهمْ لشَهوتِكمْ وتَترُكونَ ما خلقَ اللهُ لكمْ منَ النِّساءِ وهنَّ محلُّ الاشتهاءِ عندَ ذوي الفِطَرِ السَّليمةِ والطِّباعِ المستَقِيمة؟ لا شكَّ أنَّكمْ مُتجاوزونَ بذلكَ الحلالَ إلى الحرام، والمُستَحْسَنَ إلى المرْذول، والمعرُوفَ إلى المُنكَرِ المُستَهجَن.
فاللِّواطُ فِعلٌ فاحِشٌ بَذيء، فيهِ فسادُ الفِطرةِ، وانحلالُ الخُلق، وسوءُ السُّلوك، وانحِرافُ الرُّجولة. ويسبِّبُ أمراضاً خَطيرة، مثلَ الزُّهْرِيّ، وقُصورِ الجهازِ المناعي عنْ أداءِ وظيفتِه، فيُصبِحُ الجسمُ ضَعيفاً عاجِزاً عنْ مقاومةِ أنواعٍ كثيرةٍ منَ العدوَى، معَ أمراضٍ أخرى...
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف :82]
وما كانَ جوابَ المستَكبِرينَ مِنْ قومِه، إلاّ أنْ قالَ بعضُهمْ لبَعض، وقدْ أبَوا نَصيحةَ نبيِّهمْ وأعرَضوا عنْ رسالتِه: أخرِجوا لوطاً ومَنْ تَبِعَهُ منْ بلدتِكُمْ هذه، وقالوا في سُخريةٍ وتهكُّم: إنَّهمْ يَتطهَّرونَ منَ الفواحِش، ويَتنَزَّهونَ عن اللِّواط، ويَتقَذَّرونَ ما نَرغَبُ فيه.
﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا امۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ الۡغَٰبِرِينَ﴾ [الأعراف :83]
فأنجينا لوطاً وأهلَهُ الذينَ آمَنوا به، إلا امرأتَه، التي بَقيتْ على دِينِ قومِها، فكانتْ منَ الباقينَ معَهم، وقدْ هَلَكوا جميعاً.
﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُجۡرِمِينَ﴾ [الأعراف :84]
فكانَ جزاءُ عِصيانِهمْ وإصرارِهمْ على هذه الفاحِشَةِ المُنكَرة، أنْ {أَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [سورة الحِجر: 74]، فانظُر، وتأمَّل، واعتَبِر، عاقبةَ هؤلاءِ المُجرِمين، ولْيَحْذَرْ غَضَبَ اللهِ وعُقوبتَهُ يومَ الدِّينِ مَنْ فعلَ هذا الفِعلَ المُستقَذَر.
﴿وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ اعۡبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ الۡكَيۡلَ وَالۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ النَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي الۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأعراف :85]
وأرسَلنا إلى قَبيلةِ مَدْيَن - وهوَ اسمُ مدينةٍ أيضاً، قُربَ مَعَان - أخاهُمْ في النسَبِ شُعَيباً، فقالَ لهمْ ناصِحاً ومُحَذِّراً: يا قَوم، اعبُدوا اللهَ وحدَه، ولا تُشرِكوا في عِبادتهِ أحداً مِنْ أصنامِكمُ التي تَزعُمونَ أنَّها آلهة، فإنَّهُ لا إلهَ لكمْ غيرُ الله، وقدْ جاءَتكمْ آيةٌ بيِّنة، ومُعجِزةٌ ظاهِرةٌ مِنْ ربِّكم، تدلُّ على صِدقِ رِسالتي إليكم، فاسمَعوا التَّوجيهاتِ الربَّانية، والنصائحَ النبويَّة، التي تأخذُ بيدكمْ إلى السَّعادةِ والنَّجاة:
أتِمُّوا المِكيالَ ولا تَنقُصوا مِنْ مَقاديرِ مَقاييسِ الوَزنِ والكَيْل، واعدِلوا في وَزنِ الميزان، ولا تَنقُصوا الناسَ حقوقَهم، ولا تَخونُوهمْ في أموالِهمْ ومُبايعاتِهمْ خُفْيَةً وتَدليساً.
ولا تُفسِدوا في الأرضِ بالكفرِ والظُّلم، والتحايلِ والخيانة، بعد إصلاحِ أمرِها وأهلِها بالشَّرائعِ الربّانية، فإنَّهُ خيرٌ لكمْ وأفضلُ لمجتَمعِكمْ وأهليكمْ منَ الظُّلمِ والفسادِ الذي أنتمْ فيه، هذا إذا تدبَّرتمْ ما أقولُ ووَعيتُموهُ وآمنتُمْ بأنَّهُ الأحسَنُ والأَولى.
﴿وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَاذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَانظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف :86]
وقالَ شُعيبٌ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أيضاً وهوَ يَعِظُ قومَهُ، وكانَ يُسمَّى خطيبَ الأنبياء، لفَصاحةِ عبارتِه، وجَودةِ حوارِه، ومهارتهِ في الحديث: ولا تَقعُدوا بالطرُقِ تخوِّفونَ النَّاسَ وتُهَدِّدونهمْ بالقَتلِ والأذَى، وتَمنعونَ الناسَ عنْ دينِ الله، وتَقولونَ إنَّ شُعيباً كذَّابٌ فلا يَصرِفنَّكمْ عنْ دينِكم، وتتوعَّدون الذينَ آمنوا بهِ بافتِتانِهمْ عنْ دِينِهم، وتَبغونَ مِنْ دِينِ اللهِ الميَلانَ والعُدولَ عنِ الحقِّ ليوافِقَ أهواءَكم.
وتَذكَّروا كيفَ أنَّكمْ كنتُمْ قِلَّةً مُستَضعَفين، فوهبَكمُ الذريَّةَ وزادَ منْ عددِكمْ حتَّى صِرتُمْ كُثُراً.
وتَفَكّروا واعتَبِروا بمنْ كانَ قبلَكمْ مِنْ قَومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ ولوط، وما حلَّ بهمْ منَ العَذابِ نَتيجةَ فسادِهمْ وعِصيانِهمْ وتكذيبِهمْ رُسُلَهم.
﴿وَإِن كَانَ طَآئِفَةٞ مِّنكُمۡ ءَامَنُواْ بِالَّذِيٓ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦ وَطَآئِفَةٞ لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ فَاصۡبِرُواْ حَتَّىٰ يَحۡكُمَ اللَّهُ بَيۡنَنَاۚ وَهُوَ خَيۡرُ الۡحَٰكِمِينَ﴾ [الأعراف :87]
وإذا كانَ مِنكمْ جماعةٌ قدِ اهتَدَوا وآمَنوا وصدَّقوا برِسالتي إليكم، وجماعةٌ أخرَى ضلُّوا وكفَروا وأبَوا أنْ يُصَدِّقوني، فانتَظِروا - جماعةَ الكفّارِ - وتربَّصوا، حتَّى يَفصِلَ اللهُ بينَنا وبينَكم، وستَرونَ حينئذٍ حُكمَهُ العادِل، وكيفَ أنَّهُ يَنصُرُ المُحِقَّ ويَخذُلُ المُبطِل، وهوَ سبحانَهُ أعدَلُ الحاكِمين.
﴿۞قَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ اسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَنُخۡرِجَنَّكَ يَٰشُعَيۡبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرۡيَتِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۚ قَالَ أَوَلَوۡ كُنَّا كَٰرِهِينَ﴾ [الأعراف :88]
قالَ السَّادةُ الزعماءُ الذينَ استَكبَروا عنْ قَبولِ الحقّ مِنْ قَومِ شُعَيب: سوفَ نُخرِجُكَ يا شُعَيبُ أنتَ ومَنْ آمنَ معكَ مِنْ بلدِنا، حتَّى لا تُزعِجَنا برسالتِك، أو لنُكرِهنَّكمْ على الرجوعِ إلى ما نحنُ عليهِ مِنْ دينِ آبائنا.
قالَ لهمْ شُعَيبٌ عليهِ السَّلام: حتَّى لو كنّا كارهينَ الشِّركَ والكُفر، مُبغِضينَ الظلمَ والفسَاد؟
﴿قَدِ افۡتَرَيۡنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا اللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا افۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِالۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ الۡفَٰتِحِينَ﴾ [الأعراف :89]
إنَّنا نَكونُ كذَبنا على اللهِ كَذِباً عَظيماً إذا رجَعنا إلى مِلَّتكمْ وأشرَكنا معَ الله، بعدَ أنْ خلَّصَنا اللهُ منها ومِنْ ظُلماتِها، وعَلِمنا بُطلانَها عنْ طَريقِ رَسولِه، ولا يَحِقُّ لنا ولا يُعقَلُ أنْ نَعودَ في الكفر، إلا حالَ مَشيئةِ اللهِ لعَودِنا في حالِ انتِكاسِنا وخِذلانِنا. وهذا كلامُ أصحابِ شُعَيبٍ عليهِ السَّلام.
وقد أحاطَ اللهُ عِلماً بأحوالِ عِبادِه، فهوَ يَعرِفُ نيَّاتِهم وظواهرَهم، ومَنْ يَنوي الخيرَ ونَقيضَه، قدْ فوَّضنا أمرَنا إلى الله، واعتمدْنا عليهِ في أمورِنا كلِّها.
اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تَفصِلَ بينَنا وبينَ قومِنا الذينَ أبَوا دينَك، وعتَوا وعانَدوا وظَلموا، فأنتَ الحقّ، وأنتَ خيرُ مَنْ قضَى وحَكَم.
﴿وَقَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَئِنِ اتَّبَعۡتُمۡ شُعَيۡبًا إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ﴾ [الأعراف :90]
ثم أصَرُّوا واستَكبَروا، وتمادَوا في الغَيِّ والضَّلال، وقَالَ لَهمْ أشرافُهمْ ورُؤسَاؤُهم، بعدَ أنْ رأوا ثباتَ النبيِّ شُعَيبٍ والمؤمِنينَ معه: إنَّكم إذا اتَّبعتُمْ شُعَيباً وفارقتُمْ دينَ آبائكم، فإنَّكمْ خاسِرونَ مَغبونون.
﴿فَأَخَذَتۡهُمُ الرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ﴾ [الأعراف :91]
فزَلزلَ اللهُ الأرضَ مِنْ تحتِهمْ وأهلكَهمْ أجمَعين، وصاروا موتَى خامِدين؛ لا أثرَ للحياةِ والحركةِ فيهم.
﴿الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [الأعراف :92]
وصارَ هؤلاءِ الذين كذَّبوا النبيَّ شُعَيباً وأصابَهمُ الهَلاك، كأنَّهمْ لم يُقيموا في ديارِهمْ ولم يعمِّروها، لِمَا أصابَهمْ مِنْ عِقابٍ مُفزِعٍ رَهيب، لقدْ صارَ الذينَ كذَّبوا شُعَيباً همُ الخاسِرينَ الخائبين، في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة، وليسَ الخاسِرُ مَنِ استجابَ للحقِّ واتَّبعَ شُعَيباً.
﴿فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡۖ فَكَيۡفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف :93]
ثمَّ أعرضَ عنهمْ نبيُّهمْ وهمْ هَلْكَى بينَ الأنقاض، موبِّخاً إيَّاهمْ على كُفرِهمْ وعِنادِهم، مخاطِباً إيّاهم بقوله: لقدْ بلَّغتُكمْ ما أُمِرتُ بهِ منْ قِبَلِ ربِّي، واجتَهدتُ في نُصحِكمْ وتَحذيرِكم، ولكنَّكمُ استَكبرتُمْ ورَفضتُم؛ فكيفَ أحزَنُ عليكمْ وقدْ كفرتُمْ بما جئتُكمْ به، وجحَدتُمْ رسالةَ ربِّكم؟!
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِالۡبَأۡسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف :94]
وما أرسَلنا نبيًّا في بلدٍ مِنَ البُلدانِ المُهلَكة، يدعو إلى دينِ اللهِ وينهاهُمْ عنِ الشرِّ والمنكرِ الذي همْ فيه، فيُكذِّبونَه، إلاّ ابتَليناهمْ - قبلَ الإهلاكِ - بالفَقرِ والحاجة، والسَّقَمِ والمرَض، لعلَّ نفوسَهم تَخضَعُ وتَلين، ليَلتجِؤوا إلى الله، ويَستَجيبوا لأمرِه، ويَتوبوا منْ ذنوبِهم، فيَكشِفَ ما نَزلَ بهم.
﴿ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [الأعراف :95]
ولكنَّهم لم يتأدَّبوا بالشدَّة، ولم يَنْزَجِروا بالترْهيبِ والوَعيد، فبدَّلنا حالَهمْ منَ البؤسِ والشدَّةِ إلى الرَّخاءِ والنَّعِيم، حتَّى كَثُرَ عَددُهمْ ونَمَتْ أموالُهم؛ ليَشكروا اللهَ على ذلك، ولكنَّهم لم يَفعلوا، ولم يَعُدُّوا ذلكَ كلَّهُ ابتلاءً واختبارًا، بلْ قالوا: هذا شَيءٌ طَبيعيٌّ يُصيبُ النَّاسَ في كلِّ وقت، وقدْ سبقَ لآبائنا أنْ أصابَهمُ البلاءُ والشدَّة، كما نَعِموا في عيشِهمْ واستَمتَعوا، ونحنُ مثلُهمْ ومثلُ غيرِهمْ مِنَ الناس. فأخذَهمُ اللهُ بالعُقوبةِ وهمْ في غَفلة، وما كانَ يَخطُرُ ببالِهمْ شَيءٌ مِنْ ذلك.
﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ الۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَاتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [الأعراف :96]
ولو أنَّ أهلَ القُرَى والبُلدانِ المُهلَكة آمَنوا باللهِ ولم يُشرِكوا به، وصدَّقوا الرُّسلَ بما جاؤوا به، وخافوا اللهَ فابتَعدوا عمّا نهَى عنه، لبارَكنا في أرزاقِهمْ وأموالِهمْ منَ السَّماءِ والأرض، منَ المطَرِ والنبَات، فزِدنا فيها ونفَعْنا بها، ويسَّرنا عليهمْ تَحصِيلَها. ولكنِّهمْ عَصَوا اللهَ وكذَّبوا رُسُلَه، فعاقَبناهمْ بالعَذابِ والدَّمارِ جزاءَ كفرِهمْ وعِصيانِهم.
﴿أَفَأَمِنَ أَهۡلُ الۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا بَيَٰتٗا وَهُمۡ نَآئِمُونَ﴾ [الأعراف :97]
أفأمِنَ أهلُ القُرَى والبلدانِ منَ العُصاةِ المكذِّبينَ أنْ يأتيَهمْ عذابُنا ليلًا وهمْ نائمون؟
﴿أَوَأَمِنَ أَهۡلُ الۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا ضُحٗى وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ﴾ [الأعراف :98]
أمْ أمِنَ أهلُ القُرَى والبُلدانِ منَ الكافِرينَ أنْ يأتيَهم عذابُنا في وقتِ الضُّحَى وهمْ غافِلون، مَشغولون، يَلهُون.
﴿أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ اللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ اللَّهِ إِلَّا الۡقَوۡمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾ [الأعراف :99]
هلْ أمِنوا بأسَ اللهِ ونِقمتَه، بأنْ يَستدرِجَهمْ ليُهلِكَهمْ وهمْ سَاهونَ غافِلون؟ إنَّهُ لا يَأمَنُ عِقابَ اللهِ إلاّ الذينَ خَسِروا أنفسَهمْ وعرَّضوها لعِقابِه، لأنَّهمْ لا يؤمِنونَ بالجَزاءِ على الأعمال.
وحتَّى المسلِمونَ عليهمْ ألاّ يَتمادَوا في المعَاصي متَّكلينَ على رحمةِ اللهِ مِنْ غيرِ عَمل، وكأنَّهمْ أمِنوا مكرَ الله، عياذاً بهِ منْ غَضَبهِ وسَخَطِه.
﴿أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ﴾ [الأعراف :100]
ألمْ يَتبيَّنْ لمنْ يَخلُفونَ الأممَ الذينَ أهلكناهُم، فعَمِلوا أعمالَهم، وعصَوا رسُلَهم، وأصرُّوا على الكُفرِ كما أصرُّوا، أنْ لو نشاءُ فَعلنَا بهمْ كما فَعلنَا بمنْ قبلَهم، ونَختِمُ على قُلوبِهم، فلا يأبَهونَ بتَذكير، ولا يَعتَبِرونَ بدَليل، ولا يَتدبَّرونَ مَوعِظَة؛ جزاءَ عِصيانِهمُ وتمرُّدِهمْ واستِكبارِهمْ عنْ قَبولِ الحقّ؟!