تفسير سورة الأعراف

  1. سور القرآن الكريم
  2. الأعراف
7

﴿تِلۡكَ الۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِالۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف:101]


تلكَ القُرَى والبَلْداتُ الخاليةُ نَسرُدُ عليكَ بعضَ أخبارِ أهلِها وأحوالِهم، ممّا فيهِ عِظةٌ وتَذكير، وقدْ جاءَتْ رُسلُ كلِّ أمَّةٍ منهمْ بالمُعجِزاتِ البيِّنةِ والأدلَّةِ الكافيةِ على صِدقِ ما أَخبِروا به، وما كانوا لِيؤمِنوا في وقتٍ منَ الأوقاتِ، لقَساوةِ قُلوبِهمْ، وتَماديهمْ في الغَيِّ والضَّلال، واستِمرارِهمْ في التَّكذيب، وكفرِهم بما يأتي بهِ رسلُهمْ منَ المعجِزاتِ والحُجَجِ الواضِحات، وعاقبَهمُ اللهُ بسببِ كفرِهمْ ومواقفِهمُ السيِّئةِ المتعنِّتة، بأنْ ختَمَ على قلوبهمْ فلا يؤمِنون.

﴿وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَٰسِقِينَ﴾ [الأعراف:102]


ولم نجدْ لأكثرِ الأممِ الماضيةِ وفاءً بالعَهد، بلْ خَانوا، ونقَضوا ما عَاهدوا اللهَ عليه، ووجَدنا أكثرَهمْ خارجينَ عنِ الطَّاعةِ والامتِثال.

﴿ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف:103]


ثمَّ بَعثنا مِنْ بعدِ الرسُلِ المذكورِينَ موسَى عليهِ السَّلام، أرسَلناهُ بمُعجِزاتِنا وأدلَّتِنا البيِّناتِ إلى فِرعَونَ وقَومِه، فكفَروا بها عِناداً وطُغياناً، فعاقَبناهمْ بالغَرَق، فانظرْ كيفَ كانتْ عاقبةُ المكذِّبينَ المعانِدين.

﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرۡعَوۡنُ إِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأعراف:104]


وقالَ نبيُّ اللهِ موسَى لفِرعَونَ المتكبِّر: إنَّني مُرسَلٌ إليكمْ منْ قِبلِ ربِّ العالمَينَ كلِّهم، سيِّدِهمْ ومالكِ أمرِهم.

﴿حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ﴾ [الأعراف:105]


جديرٌ بي، وواجبٌ عليّ، ألاّ أُخبِرَ عنِ اللهِ إلاّ الحقَّ والصِّدْق، وقدْ جئتُكمْ منْ عِندهِ بمُعجِزةٍ ظَاهرةٍ لتَكونَ دَليلاً على صِدقي، فدَعْ بني إسْرائيلَ يأتوا معي إلى بيتِ المَقدس. وكانَ فِرعَونُ قدِ استَعبدَهمْ واستَعملَهمْ في الأعمالِ الشاقَّة.

﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـٰدِقِينَ﴾ [الأعراف:106]


قالَ فِرعَون: يا موسَى، إنْ كنتَ جئتَ بمُعجِزةٍ حقّاً، فأظهِرْها لنا، إنْ كنتَ صادقاً في دَعواك.

﴿فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ﴾ [الأعراف:107]


فألقَى موسَى عَصاهُ في الأرض، فإذا هيَ حيَّةٌ عَظيمة، ظاهِرةٌ للعِيان.

﴿وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ﴾ [الأعراف:108]


وأخرجَ يدَهُ منْ جيبهِ (وهوَ فَتحَةُ القَميصِ مِنْ أعلاه)، فإذا هي بيضاءُ ناصعةٌ تَشِعُّ نوراً، لمنْ يَنظرُ إليها.

﴿قَالَ الۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ﴾ [الأعراف:109]


قالَ السَّادةُ الكُبَراءُ منْ قَومِ فِرعَون: إنَّ موسَى ساحرٌ متمكِّنٌ منْ علمِ السِّحر.

﴿يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ﴾ [الأعراف:110]


يريدُ أنْ يُخرِجَكمْ - يا شَعبَ مِصرَ - مِنْ ديارِكم. فبماذا تُشيرونَ في أمرهِ أيُّها السَّادة؟

﴿قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَأَرۡسِلۡ فِي الۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ﴾ [الأعراف:111]


قالَ لهُ قادتهُ ومُستَشاروه: أخِّرْهُ وأنْظِرْهُ وأخَاه، وابعَثْ إلى أقاليمِ مِصْرَ رجالاً منَ الشُّرْطةِ جامعين،

﴿يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ﴾ [الأعراف:112]


يَجمعوا السَّحَرةَ المَهَرةَ ويأتوكَ بهم.

﴿وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ الۡغَٰلِبِينَ﴾ [الأعراف:113]


وجاءَ السَّحَرةُ واجتَمعوا عندَ فِرعَون، وقالوا له: أيَكونُ لنا عَطاءٌ إذا غَلَبْنا موسَى بسِحْرِنا؟

﴿قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ الۡمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف:114]


قالَ لهمْ فِرعَون: نعم، لكمُ الأجر، وستَكونونَ في منْزِلَةٍ رَفيعةٍ عِندي، ومنَ الرِّجالِ المقرَّبين إليّ.

﴿قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ الۡمُلۡقِينَ﴾ [الأعراف:115]


واجتَمعوا في السَّاحةِ المقرَّرةِ للمناظَرةِ والتحدِّي، وقال السَّحَرةُ لموسَى عليهِ السلام: إمَّا أنْ تُلقيَ عَصاك أوَّلاً، وإمَّا أنْ نُلقيَ حِبالَنا وعِصيَّنا قبلَك.

﴿قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ النَّاسِ وَاسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ﴾ [الأعراف:116]


قالَ لهمْ موسى: بلْ أَلقُوا أنتُمْ أوَّلاً. ويكونُ هذا أوقعَ في نُفوسِ المشاهِدين، حيثُ يرَونَ عملَ السَّحَرةِ أوَّلاً، ثمَّ التحدِّيَ والنتيجةَ مِنْ قِبَلِ موسَى عليهِ السَّلام. فلمّا ألقَوا ما عندَهم، خيَّلوا عملَهمْ إلى الأعْينِ على خِلافِ الحقِيقة، وأفزَعوهمْ فَزعاً شَديداً، وقدْ أبدَوا سِحراً رَهيباً، كانتْ عِصيُّهمْ وحِبالُهمْ تَبدو وكأنَّها حيَّاتٌ وأفاعيُّ كبيرةٌ تتحرَّك!

﴿۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ﴾ [الأعراف:117]


وعندَ ذلكَ أوحَينا إلى موسَى: أنْ ألقِ عَصاك. فألقَاها في الأرض، فإذا هي تَتحوَّلُ إلى ثُعبانٍ كَبيرٍ ضَخمٍ، تَبتلِعُ جميعَ ما أبدَى السَّحَرة، ممّا موَّهوا بهِ وأوهَموا المُشاهِدينَ أنَّها حيّاتٌ وأفاعيّ، التي ما كانتْ سِوَى سِحر، خُيِّلَ للناسِ أنَّها حَقيقة!

﴿فَوَقَعَ الۡحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف:118]


فظَهرَ الحقّ، وتبيَّنَ أنَّ ما كانَ مِنْ شأنِ موسَى مُعجِزةٌ لا يَقْدِرُ على أنْ يأتيَ بها إنسانٌ مِنْ عندِه، وظهرَ بُطلانُ ما كانَ عليهِ السَّحَرة، وقالوا: لو كانَ ما يَصنعُ موسَى سِحراً لبقيتْ حِبالنا وعِصيُّنا، فلمّا فُقِدَتْ عَلِمنا أنَّ ذلكَ منْ أمرِ الله.

﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَٰغِرِينَ﴾ [الأعراف:119]


فغُلِبَ فِرعَونُ وقومُهُ في ذلكَ الحَشدِ الكبيرِ وهُزِموا، وانصرَفوا عن مَوقعِهمْ أذِلَّةً مَقهورين.

﴿وَأُلۡقِيَ السَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ﴾ [الأعراف:120]


أمّا السَّحَرةُ فقدْ بَهرَهمُ الحقُّ، ولمْ يَتمالَكوا إلاّ أنْ خرُّوا للهِ ساجِدين، وكانوا منْ سُرعةِ ما سَجدوا كأنَّ أحداً دَفعَهمْ وألقاهُمْ للسُّجود!