تفسير سورة التوبة

  1. سور القرآن الكريم
  2. التوبة
9

﴿انفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ اللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [التوبة:41]


اخرجُوا إلى الجِهادِ على أيِّ حالٍ كنتُم، شَباباً وكُهولاً، فُقَراءَ وأغنِياء، في نَفيرٍ عامٍّ دعا إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لمُقاتلةِ الرُّوم. وجاهِدوا بما عندكمْ مِنْ مال، مِنْ شِراءِ السِّلاحِ وتَزويدِ المجاهِدينَ به، وبأنفسِكمْ تَبيعونَها لله، فهوَ خَيرٌ لكمْ عندَ ربِّكمْ عاقبةً ومآلاً.

وذكرَ بعضُ المفسِّرينَ أنَّ هذهِ الآية مَنسوخة، ورُدَّ أنَّ هذا يخصُّ النفيرَ العَام.

﴿لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ الشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ [التوبة:42]


لو كانَ ما دَعوتَهمْ إليهِ أيُّها النبيُّ غَنيمةً قريبةَ المَنال، وسَفَراً هيِّناً غيرَ بَعيد، لخرجَ معكَ الذينَ استأذَنوا مِنكَ وأظهَروا أنَّهمْ ذَوُو أعذارٍ في غَزوةِ تبوك، ولكنْ لمّا بَعُدَتْ عليهمُ المسافةُ - إلى الشَّامِ - اعتَذروا.

وسيحلِفُ هؤلاءِ المتخلِّفونَ باللهِ كَذِباً ويَقولون: لو قَدَرْنا على المجيءِ لخرَجنا معَكمْ إلى الجِهاد، يُهلِكونَ أنفسَهمْ بهذهِ اليمينِ الكاذِبةِ التي تَجرُّهمْ إلى العَذاب، واللهُ يَعلَمُ أنَّهمْ كاذبونَ في حَلِفِهم هذا.

﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ الۡكَٰذِبِينَ﴾ [التوبة:43]


عفا اللهُ عنكَ أيُّها النبيّ، لأيِّ سَببٍ أذِنْتَ لهؤلاءِ الحالِفينَ بالتخلُّفِ عن الجِهادِ حينَ اعتَذَروا بعَدمِ الاستِطاعَة؟ هلاّ انتظرتَ وتأكَّدتَ منْ ذلكَ حتَّى يَنجليَ لكَ الأمرُ وتَنكشِفَ الحال، فتَعرِفَ مَنْ صَدَقَ في الاعتِذارِ ممَّنْ كَذَب؟!

﴿لَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ الَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِاللَّهِ وَالۡيَوۡمِ الۡأٓخِرِ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۗ وَاللَّهُ عَلِيمُۢ بِالۡمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:44]


لا يستأذِنُكَ في القُعودِ عنِ الغَزوِ المؤمِنونَ باللهِ واليومِ الآخِر، لأنَّهم يَرونَ الجِهادَ قُربة، وفُرصةً لإثباتِ شوقِهمْ إلى الشَّهادة، فيُبادِرونَ إلى بذلِ أموالِهم وفِداءِ أنفسِهمْ في سَبيلِ الله، واللهُ عليمٌ بمَنْ يخشونَهُ ويَطلبونَ رِضاهُ مِنْ عبادِه.

﴿إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِاللَّهِ وَالۡيَوۡمِ الۡأٓخِرِ وَارۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة:45]


إنَّما يستأذِنُكَ في التخلُّفِ عنِ الجهادِ ممَّنْ لا عُذْرَ لهم، الذينَ لا يؤمِنونَ بالله، ولا يَرجُونَ ثوابَهُ في الدَّارِ الآخِرَة، وشكَّتْ قلوبُهم في صحَّةِ ما جئتَهمْ به، فهمْ في شَكِّهمْ مُتحيِّرونَ مُضطَرِبون.

﴿۞وَلَوۡ أَرَادُواْ الۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ اقۡعُدُواْ مَعَ الۡقَٰعِدِينَ﴾ [التوبة:46]


ولو أرادَ المتخلِّفونَ الخُروجَ معكَ إلى الجِهاد، لتأهَّبوا لذلكَ وأعدُّوا الرَّاحلةَ والسِّلاحَ وما يَحتاجُ إليهِ المقاتِل، ولكنْ كَرِهَ اللهُ أنْ يَخرَجوا مَعكَ لمعرفتهِ بحَقيقةِ ما همْ عليه، فعوَّقهمْ وأخَّرهم، وقيلَ لهم: اقعُدوا أيُّها الجُبَناءُ الكاذِبونَ معَ مَنْ لا يَقْدِرونَ على الجِهاد، كالنِّساءِ والصِّبيانِ والمعوَّقين.

﴿لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ الۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَاللَّهُ عَلِيمُۢ بِالظَّـٰلِمِينَ﴾ [التوبة:47]


ولو أنَّ هؤلاءِ المعتذِرينَ المتخلِّفينَ خَرجوا مُخالِطينَ لصفوفِكم، لمَا زَادوكمْ إلاّ عَجْزاً وجُبْناً، وشرّاً وفَساداً، وغَدْراً ومَكرا، لأنَّهمْ جُبناءُ مَخذولون، غيرُ أوفياءَ ولا مُخلِصون، ولمَشَوا بينَكمْ بالفِتنةِ والنَّمِيمَةِ فأوقَعوا الخِلافَ بينكم، وبَثُّوا الشَّائعاتِ في صُفوفِكم، وهوَّلوا أمرَ العَدوِّ في قُلوبِكمْ لتَخافوهم، وفيكمْ منَ الضَّعَفةِ مَنْ يَقبلُ حديثَهمْ ويُصَدِّقونَهم، ويَستَحسِنونَ حديثَهمْ ويُطيعونَهم، واللهُ عليمٌ بهؤلاءِ المتخلِّفين الظَّالمين، محيطٌ بظَواهرِهمْ وبواطنِهم، وقدْ أخبرَكمْ عنْ حالِهم.

﴿لَقَدِ ابۡتَغَوُاْ الۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ الۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ اللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ﴾ [التوبة:48]


لقدْ سبقَ أنْ حاولَ المنافِقونَ الإضرارَ بكَ وبالمسلِمين، عندما فَتَنوهمْ عنْ دينِهم وصَدُّوهمْ عنِ الإسْلام، وعندما رجعَ رأسُ المنافِقينَ بأصحابهِ يَومَ أُحُد، وغيرُ ذلكَ منْ مواقفِهمُ الدنيَّةِ التي تدُلُّ على خِيانتِهم، منْ خلالِ مَكايدِهم، وتَفريقِ أصحابِكَ عنك، لإبطالِ أمرِك، حتَّى جاءَ نصرُ الله، وغَلَبَ دينُه، وعَلا شرعُه، على رَغمِ أنوفِهم، وهمْ كارِهونَ لذلك، مُبغِضونَ له.

﴿وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ائۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي الۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِالۡكَٰفِرِينَ﴾ [التوبة:49]


ومنَ المنافِقينَ مَنْ يَستأذِنُ منكَ للقُعودِ عنِ الجِهادِ ضدَّ الرُّوم، ويقولُ في سبَبِ ذلك: متَى أرَى نساءَ الرومِ أفتَتِن، فأْذَنْ لي ولا تَفْتِنِّي. لقدْ سقطَ هؤلاءِ وأمثالُهمْ في الفِتنَةِ عندما قدَّموا اعتِذاراتٍ كاذبةً وتخلَّفوا عنِ الجِهاد، وإنَّ أعمالَهم تدلُّ على أنَّ جهنَّم تنتَظِرُهم، لتَجمَعَهمْ فيها وتُسْعَرَ بهم.

﴿إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٞ يَقُولُواْ قَدۡ أَخَذۡنَآ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمۡ فَرِحُونَ﴾ [التوبة:50]


ومنْ ظَاهرِ عَداوةِ المنافِقين، أنَّ اللهَ إذا قدَّرَ لكَ نَصراً وغَنيمةً في غَزوة، ساءَهمْ ذلكَ وحَزِنوا؛ لحَسدِهم وعداوتِهم للإسْلام، وإذا قدَّر عليكَ شِدَّةً قالوا: قدْ احتَطنا لذلكَ وأخذنا حَذَرَنا فقَعَدنا عنِ الغَزو، ولولا ذلكَ لأصابَنا ما أصابَهم، ثمَّ يَنصرِفونَ وهمْ مَسرُورونَ بما حلَّ بالمسلِمين!

﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ الۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [التوبة:51]


قُلْ لهمْ أيُّها النبيُّ الكريم: لنْ يصِيبَنا شَيءٌ أبداً إلاّ ما قدَّرَهُ اللهُ علينا، فنحنُ تحتَ مَشيئتهِ وإرادتِه، لا يتغيَّرُ أمرٌ بمُوافقتِكمْ ومُخالفتِكم، وبمشاركتِكمْ وانسحابِكم، فهو ناصِرُنا وحافِظنُا، ومَلجَؤنا وسيِّدُ أمورِنا، وعلى اللهِ وحدَهُ فليَعتَمدِ المؤمِنون، فهوَ حسبُهمْ ونعمَ الوَكيل.

﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى الۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة:52]


وقُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: هلْ تنتَظِرونَ بنا أيُّها المنافِقون، إمّا الشَّهادة، وإمّا النَّصرَ على الأعداء، ونحنُ ننتَظِرُ بكمْ أحدَ العَذابين: إمّا أنْ يُهلِكَكمُ اللهُ كما أهلكَ أُمماً سابِقة، وإمّا أنْ يعذِّبَكمْ بأيدينا بالقَتلِ والأسرِ والسَّبي، فانتظِروا، إنّا معكمْ مُنتَظِرون، ولنْ تَجِدوا إلاّ ما يَسُرُّنا ويُحزِنُكم.

﴿قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ﴾ [التوبة:53]


قُلْ لهم: أنفِقوا أموالَكمْ في متطلَّباتِ الغَزوِ طائعينَ أو كارِهين، فلنْ يَقبلَ اللهُ ذلكَ منكمْ ولنْ يُثيبَكمْ عليهِ في الحالَين، فقدْ كنتُمْ مُتمرِّدينَ خارِجينَ عنِ الطَّاعة، رافِضينَ لحُكمِ اللهِ ورَسولِه.

﴿وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ الصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ﴾ [التوبة:54]


وما مَنعَ قَبولَ نَفقاتِهمْ شَيءٌ منَ الأشياءِ إلا كفرُهمْ باللهِ وتكذيُبهمْ رسولَه، ولا تُقبَلُ الأعمالُ إلاّ بالإيمانِ الصَّحيح، وهمْ لا يأتونَ الصَّلاةَ المفْروضةَ عليهمْ في حالٍ منَ الأحوالِ إلاّ وهمْ مُتثاقِلون، لأنَّهمْ لا يَرجُونَ على أدائها ثَواباً، ولا يَخافونَ على تَركِها عِقاباً، ولا يُنفقِونَ نفَقةً في الجِهادِ وغَيرهِ إلاّ وهمْ كارِهونَ لذلك، لأنَّهمْ يَعُدُّونَهُ خَسارةً لا مَغنماً، ولا يَقبلُ اللهُ الأعمالَ إلاّ عنْ طِيبِ نَفسٍ وعَقيدةٍ صَحِيحَة.

﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ﴾ [التوبة:55]


فلا يَرُقْكَ شَيءٌ مِنْ أموالِهم ولا أولادِهم، ولا تَستحسِنْ ذلكَ منهم، فإنَّما هوَ استِدراجٌ منَ اللهِ لهم، ليَكونَ ذلكَ كلُّه وَبالاً عليهم، وعِقاباً لهمْ في الدُّنيا، مِنْ تَعَبٍ في جَمعِه، وكَدٍّ في تَحصِيله، ونَفقَةٍ منهُ للزَّكاةِ والجِهاد، دونَ أنْ يُثابوا عليه، ومَقتَلِ أولادٍ لهمْ في الغَزو، وهمْ لا يَعتَقِدونَ استِشهادَهمْ ولا احتِسابَهمْ واللِّقاءَ بهمْ في اليَومِ الآخِر، فيَكونُ كلُّ ذلكَ حَسرةً عليهم، وتَعذيباً نفسيّاً لهم، وأكثرَ إيلامًا لهم، ولتخَرُجَ أرواحُهم ويموتُوا على كُفرِهم(49).

(49) {وَتَزْهَقَ أنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ}: يعني وتخرجَ أنفسُهم، فيموتوا على كفرهم بالله، وجحودِهم نبوَّةَ نبيِّ الله محمدٍ صلَّى الله عليه وسلم. (الطبري). أصلُ الزهوق: خروجُ الشيءِ بصعوبة. أي: فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتعِ عن النظرِ في العاقبة، فيكونُ ذلك لهم نقمةً لا نعمة. (روح البيان). الزهوق: الخروجُ بشدَّةٍ وضيق، وقد شاعَ ذكرهُ في خروجِ الروحِ من الجسد. (التحرير والتنوير).

﴿وَيَحۡلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٞ يَفۡرَقُونَ﴾ [التوبة:56]


ويَحلِفُ المنافِقونَ حَلِفاً مؤكَّداً أنَّهمْ على دينِكمْ ومُسلِمونَ مثلَكم، وقدْ كذَبوا، فما همْ منكم، ولكنَّهمْ جماعةٌ يَخافونَ أنْ يُظهِروا حَقيقةَ ما همْ عليهِ منَ الكُفرِ والنِّفاق، حتَّى لا تُعامِلوهمْ معاملةَ المشرِكينَ وتَقتُلوهم، فيُعلِنونَ إسلامَهم كَذِباً، ويؤيِّدونَهُ باليَمينِ الكاذِبَة.

﴿لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ﴾ [التوبة:57]


ولو أنَّهم وجَدوا حِصناً يَتحَصَّنونَ به، أو مَغاراتٍ في الجِبالِ يُخْفُونَ أنفسَهم فيها، أو أنفاقاً في الأرضِ يَدخلونَها، لصَرَفوا وجوهَهمْ عنكمْ وأقبَلوا إليها وهمْ يُسرِعون، لا يَلتفِتونَ إلى شَيء.

يَعني: لو يَجدونَ مَخْلَصاً منكمْ ومَهْرَباً لفارَقوكم، فهمْ لا يوَدُّون مخالطتَكم، لأنَّهمْ ليسُوا منكم.

﴿وَمِنۡهُم مَّن يَلۡمِزُكَ فِي الصَّدَقَٰتِ فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ﴾ [التوبة:58]


ومنهمْ مَنْ يَعيبُ عليكَ في تَقسيمِ الصَّدَقات، ويَطعَنُ عليكَ في تَوزيعِها، لا لسبَبٍ سِوَى مَصلحتِهمُ الماليَّة، فإذا أعطيتَهمْ مِنْ تلكَ الصَّدَقاتِ قَدْرَ ما يُريدونَ رَضُوا وفَرِحوا وشَكروا لك، وإذا لم تُعطِهمْ منها غَضِبوا ولم يَستَحسِنوا فِعلَك.

وفي صَحيحِ البُخاريِّ ما يُفيدُ أنَّ هذهِ الآيةَ نزَلتْ في "خارِجيٍّ" قال: اعْدِلْ يا رَسولَ الله. وتَفصِيلهُ في "فتحِ الباري".

﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا اللَّهُ سَيُؤۡتِينَا اللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى اللَّهِ رَٰغِبُونَ﴾ [التوبة:59]


ولو أنَّهم قَنِعوا بما قَسَمَ لهمُ اللهُ ورَسولُه، وطابَتْ نفوسُهمْ بها، وقالوا: حَسبُنا اللهُ وكافِينا، سيُعطينا اللهُ مِنْ فَضلهِ ورَسولهُ ما نحتاجُ إليهِ ونَرجوه، فإنَّا راغبونَ في أنْ يوسِّعَ علينا مِنْ فَضلهِ وبركاتِه، ويُغنينا عنِ الصَّدَقةِ وغيرِها مِنْ أموالِ الناس، لكانَ ذلكَ خيراً لهمْ وأفضَل.

﴿۞إِنَّمَا الصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَالۡمَسَٰكِينِ وَالۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَالۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي الرِّقَابِ وَالۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابۡنِ السَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ اللَّهِۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [التوبة:60]


إنَّما يَكونُ تقسيمُ الزَّكواتِ وتوزيعُها بحكمِ اللهِ على الأصنافِ الثَّمانيةِ التالية:

للفُقَراءِ المُحتاجينَ الذينَ لا مالَ لهمْ ولا عَمل.

والمساكينِ الذينَ لا يَجِدونَ ما يَكفيهم.

والسُّعاةِ الذينَ يُرسَلونَ ليُحَصِّلوا الزكاةَ منَ النَّاس.

ولمَنْ تُجْمَعُ قلوبُهم ليُسلِموا، أو يَثْبُتوا على إسلامِهم.

وفي فكِّ رِقابِ العَبيدِ ليُصبِحوا أحراراً، وهمْ لا يَقْدِرونَ على دفعِ ما يَلزَمُهمْ لأسيادِهمْ لأجلِ ذلك. وذكرَ بعضُهم أنَّ المقصودَ أُسارَى المسلِمين.

والصِّنفُ السادِسُ همُ الذينَ عليهمْ دَين.

وللغُزاةِ في سَبيلِ الله، يُعْطَونَ الزَّكاةَ إذا أرادوا الخروجَ إلى الجهادِ ليستَعينوا بها على أمرِ الغَزو، ولو كانوا أغنياء.

وللمُنقَطعِ في سفَرِه.

وهذا التقسيمُ واجِبٌ فرَضَهُ الله، وهوَ عَليمٌ بأحوالِ الناسِ ومَصالحِهمْ ومُستَحقّاتهم، حَكيمٌ فيما يُقَسِّمُ ويُقَدِّر ويُشَرِّع.