إنَّ الذينَ آمَنوا وهَجَروا قومَهُمْ وديارَهُم، وأنفَقوا أموالَهمْ فيما يُرضي الله، مِنْ صَرفِها على المحتاجينَ منْ إخوانِهمُ المسلِمين، ومِنْ شِراءِ الأسلحةِ ورَبطِ الخيلِ للجِهادِ في سَبيله، وبَذلوا أنفسَهمْ في سَبيلِ دينِ الله، فقاتَلوا قِتالَ الأبطال، وخاضُوا لُجَجَ المعارك. والمقصودُ المهاجِرون. والأنصارُ الذينَ آوَوْا إخوانَهمُ المهاجرينَ وأسكنوهمْ منازلَهم، وآثَروهمْ على أنفسِهم، ونَصروهمْ على أعدائهمْ بالقِتالِ معهم، فهؤلاءِ وأولئكَ بعضُهمْ أولياءُ بَعض، في العَونِ والنُّصرةِ والميراث، فكلٌّ منهمْ أحقُّ بالآخرِ مِنْ كلِّ أحَد.
والمؤمِنونَ الذينَ بَقُوا في دِيارِهمْ ولم يُهاجِروا لا يَرِثونَ الذينَ هاجَروا، ولو كانوا مِنْ ذَوي قُرباهم، حتَّى يُهاجِروا، فعندَ ذلكَ يَرِثون. وإذا استَعانَ بكمُ المؤمِنونَ الذينَ لم يُهاجِروا في قتالِهمْ ضدَّ المشرِكين، فعَليكمْ أنْ تَنصُروهم، لأنَّهمْ إخوانُكم في الدِّين، فواجِبٌ عليكمْ نصرُهم، إلاّ إذا كانَ بينكمْ وبينَ أولئكَ المشرِكينَ عهدٌ ومُهادَنة إلى مُدَّة، فلا يجوزُ لكمْ نقضُه. واللهُ بَصيرٌ بأعمالِكم، فلا تُخالِفوا أمرَه، ولا تَتجاوزوا ما حَدَّهُ لكم.
وكانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قدْ آخَى بينَ المهاجِرينَ والأنصار، فكانوا يتوارَثون، ومَنْ آمنَ ولم يُهاجِرْ لا يَرِثُ مِنْ قَريبهِ المهاجِر، حتَّى كانَ فتحُ مكَّة... ونَسخَتْها آيةُ الميراث: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [سورة الأنفال:75].