ثمَّ تجديدٌ وتأكيدٌ للمرَّةِ الثالثةِ لأهميَّته، ولقطعِ الطريقِ على الشُّبَهِ والتشكيكاتِ التي زادَ سعيرُها في المجتمعِ الإسلاميِّ الجديدِ منْ قِبَلِ الأعداءِ المتربِّصينَ بالإسلام، للقضاءِ عليهِ وهو ما زالَ في أوَّله، ولقطعِ النظرِ كذلكَ عنْ أيِّ شَيءٍ ممّا عَداه، فالكعبةُ هي القِبلةُ الأخيرةُ لمنْ أسلمَ وجهَهُ للهِ إلى أنْ تَقومَ القيامة. فكلَّما خَرجتَ وأينَما كنتَ أيُّها النبيُّ اتَّجِهْ نحوَ المسجدِ الحرام، وأينما كنتُمْ أيُّها المسلمونَ جميعاً توجَّهوا نحوَه؛ حتَّى لا يَبقَى أدنَى شكٍّ عندَ أهلِ الكتابِ أنَّكمْ أمَّةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الموعودَة، حيثُ يجدونَ عندَهمْ أنَّ قِبلتَكمْ ستَكونُ الكعبة، ولو أنَّهمْ فَقدوا ذلكَ منكمْ لاحتجُّوا بما يَقولونَ منْ أنَّكمْ لستُمْ تلكَ الأمَّة.
وحتَّى لا يكونَ لأيِّ مشركٍ أو كافرٍ تأثيرٌ عليكمْ في جدالِهمْ وعنادِهمْ معكم، وما يَبثُّونَهُ مِنْ شُبَهٍ وشائعاتٍ لغَرضٍ في نفوسِهم، كقولِ بعضِهمْ لكم: ما دمتُمُ استقبلتُمُ البيتَ فستَرجِعونَ إلى دينِ آبائكم! فلا تَحسُبوا حِساباً لهمْ ولا لأقاويلِهم، فلا سلطانَ لهمْ عليكمْ ولنْ يضرُّوكم، بلِ اتَّقُوا ربَّكمْ واخشَوْهُ في السرِّ والعَلَن، فهو الضارُّ النافِع، وأهلٌ لأنْ يُخشَى، وبيدهِ الأمرُ كلُّه، وحتَّى أُكمِلَ نعمتي عليكمْ فيما شرعتُ لكمْ منِ استقبالِ القِبلة. ولعلَّكمْ بهذا تَهتدونَ إلى ما ضلَّتْ عنهُ الأمم، فهدَيناكمْ إليهِ وخصَصناكمْ به، ولذلكَ كنتُمْ أشرفَ الأممِ وأفضلَها.