فلمّا سَمِعَتْ بقَولِهنَّ وتَعييرِهِنّ، وكنَّ منَ الطَّبقَةِ الراقيَة، أرسَلتْ إليهنَّ تَدْعُوهِنَّ، وأقامَتْ لهنَّ مأدُبَةً في قَصرِها، وأعَدَّتْ لهنَّ وسائدَ يَتَّكِئنَ عليها، وزَيَّنَتْ مائدَتَهُنَّ بأنواعِ الأطْعِمَةِ والفَاكِهة، فجِئنَ وجَلَسْنَ، وأعطَتْ كُلَّ واحِدةٍ منهُنَّ سِكِّينًا، فبينَما كُنَّ يُقَطِّعْنَ اللحمَ أو الفاكِهة، قالتْ ليوسُف: اِظْهَرْ لهُنَّ. وكانَ أجملَ النَّاس. فخرجَ عَليهِنّ، فلمّا رأينَهُ أعْظَمْنَه، ودُهِشْنَ برؤيَةِ جَمالِهِ الفائق، وجَرَحْنَ أيديَهُنَّ بالسَّكاكينِ التي معَهُنَّ وهُنَّ يَحسَبْنَ أنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الفاكِهة، لشَدَّةِ تأثُّرِهنَّ بجَمالِهِ وحُسْنِ سَمْتِهِ وطَلْعَتِه.
وذُكِرَ أنَّهُنَّ لم يَشعُرْنَ بالألم، لانشِغالِ قُلوبِهِنَّ بيوسُفَ عليهِ السَّلام، وقُلْنَ مُتَعَجِّباتٍ مُنْدَهِشات: معاذَ الله، ليسَ هذا ببَشَر، فلا مِثالَ له، ولا أجملَ منه، ما هذا إلاّ مَلَكٌ منَ المَلائكةِ الكُرَماءِ على الله!
وكانَ كلُّ ذلكَ مَكرًا منِ امرأةِ العَزيز، لتَصِلَ إلى بُغيَتِها منهُنّ.