وبعدَ أنْ قضَى اللهُ بينَ عِبادِه، وعرَفَ كُلٌّ مَصيرَه، ودخلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، قالَ الشَّيطانُ للأشقِياء، وهوَ الذي أضلَّ كِلا فَريقَي المُستَكبِرينَ وأتْباعِهم: إنَّ اللهَ وعدَكمْ وَعدًا حقًّا على ألسِنَةِ رسُلِه، وهوَ البَعثُ والحِساب، ووَعدتُكمْ وَعدًا باطِلاً، وهوَ أنْ لا بَعثَ ولا حِساب، فأضلَلتُكمْ وأخلَفتُكم، ولم يَكنْ لي فيما دعَوتُكمْ إليهِ قوَّةٌ أُجبِرُكمْ عَليه، ولا دَليلٌ على صِدقِهِ وصِحَّتِه، سِوَى كلامٍ بَثَثتُهُ بينَكمْ وزَيَّنتُهُ في قُلوبِكم، فأسرَعتُمْ إلى إجابتِي وأطَعتُموني، فلا تُعاتِبوني اليومَ فيما أضلَلتُكمْ بهِ سَابِقًا، بلْ عاتِبوا أنفُسَكمْ حيثُ اتَّبَعتُمْ هواكُمْ وأطعتُموني، وأغمَضتُمْ عيونَكمْ وصرَفتُم قُلوبَكمْ عنِ الحَقيقَةِ والأدِلَّةِ المؤدِّيَةِ إليها، فما أنا بنافعِكمُ اليومَ شَيئاً، وما أنا بمُغيثِكمْ ومُخَلِّصِكمْ مِنَ العَذاب، ولا أنتُمْ قادِرونَ على إغاثَتِي وتَخليصي ممّا أنا فيهِ مِنْ كَربٍ وعَذاب، إنِّي تبرَّأتُ الآنَ ممّا جَعَلتُموني شَريكًا للهِ في الدُّنيا، حيثُ أطَعتُموني فيما دَعوتُكمْ إليهِ منْ عِبادَةِ الأصْنامِ وغَيرِها، فَلا تَطمَعوا بنُصرَتي لكمُ الآن، فلمْ تَبقَ بَيني وبينَكمْ صِلَةٌ ولا عَلاقَة.
وإنَّ الكافَرينَ الظَّالمينَ لهمْ عَذابٌ مُؤلمٌ مُوجِعٌ، لإعراضِهمْ عنِ الحقّ، وإصرارِهمْ على اتِّباعِ الباطِل.