أيُّها المؤمِنون، لقدْ فُرِضَتْ عليكمُ المُماثلةُ والمساواةُ في أمرِ القَتلِ عَمداً، بأنْ يُقتَلَ القاتلُ بالصِّفةِ التي قُتِل بها المقْتول، وأنْ يُقتَلَ الحُرُّ بالحُرِّ، كما يُقْتَلُ العَبدُ بالعَبد، وتُقتَلُ الأنثَى بالأنثَى؛ إقامةً للعدلِ بينَ الناس.
وكانتْ أحياءٌ في الجاهليةِ إذا قُتِلتْ منهمُ امرأةُ لم يرضَوا إلا بقتلِ رجلٍ منْ طرفِ القاتِل، وإذا قُتِلَ منهمْ عبدٌ طَلبوا قتلَ حُرّ، وإذا قُتِلَ منهمْ وَضيعٌ طَلبوا قتلَ شَريف؛ تعالياً وتمُعُّناً في الانتِقام. فبيَّنتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ حكمَ النوعِ إذا قُتِلَ نوعُه، كالأنثَى بالأنثَى، ولم تتعرَّضْ لأحدِ النوعينِ إذا قُتِلَ الآخَر، وهذا ما بيَّنتْهُ السنَّةُ منْ بعد، كأنْ يُقْتَلُ الذكَرُ بالأنثَى أيضاً؛ لاعتبارِ المماثلةِ في الدِّين، ولا يُقتَلُ مسلمٌ بكافر، ولا حرٌّ بعَبد.
فإذا عفا أهلُ القتيل، بأنْ طَلبوا بدلَ الدَّمِ دِيَةً، وهوَ مِقدارٌ منَ المالِ يؤدَّى إليهم، فليُكنْ ذلكَ مُطالبةً جَميلةً ومَعقُولة، وليؤدِّ القاتلُ الدِّيَةَ بإحسانٍ وإكرام، دونَ بَخْسٍ ولا مُماطَلة.
وتشريعُ الدِّيَةِ رحمةٌ منَ اللهِ لهذهِ الأمَّة، وكانَ التشريعُ في الدياناتِ السابقةِ العفوَ أو العقوبة، ولم تكنْ هناكَ دِيَة.
وإذا حدثَ أنْ قُتِلَ القاتلُ بعدَ أخذِ الدِّيَةِ أو قبولِها، فلفاعلهِ عذابٌ منَ اللهِ مؤلمٌ شَديد.