أيُّها المُنكِرونَ للمَعاد، إذا كنتُمْ في شَكٍّ مِنْ قُدرَةِ اللهِ على بَعثِ النّاسِ بعدَ مَوتِهم، فإنَّ هُناكَ أدِلَّةً مُشاهَدَةً تُبَيِّنُ قُدرَتَهُ تَعالَى على ذلك. فقدْ خَلَقنا أصلَكمْ مِنْ تُراب. وقدْ تبيَّنَ أنَّ العناصِرَ التي تَدخُلُ في تَركيبِ جسمِ الإنسانِ هيَ العناصِرُ نَفسُها التي تَكونُ في الطِّينِ والترَاب، معَ اختِلافِ النِّسَب، وهيَ 22 عُنصُرًا.
ثمَّ جَعَلنا نَسلَكمْ مِنْ نُطفَة، وهيَ المَنيُّ، للمرأةِ والرَّجُل، الذي يَحمِلُ ملايينَ الحيواناتِ المَنويَّة.
فإذا استقَرَّ المَنيُّ في رَحِمِ المرأةِ وبَقيَ أربَعينَ يَومًا تحوَّلَ إلى عَلَقَة، وهيَ قِطعَةٌ منَ الدَّمِ الغَليظِ المُتَجَمِّد، الذي يتعَلَّقُ بجِدارِ الرَّحِمِ ويَعيشُ على امتِصاصِ دَمِ الأُمّ.
ثمَّ تَتحَوَّلُ إلى مُضْغَةٍ تُشبِهُ قِطعَةَ لحمٍ مَمضُوغ، وهيَ تتألَّفُ مِنْ جُزءٍ مُخَلَّقٍ مُصَوَّرٍ تَعرِفُهُ إذا أُخرِجَ لكَ مِنْ داخِلِها أنَّهُ بشَرٌ سَويّ، ومِنْ قُرصٍ لَحميٍّ ليسَ عَليهِ تَصويرٌ ولا تخَلُّقٌ ولا أعضاء، هوَ المَشِيمَة، وهما مُرتَبِطانِ معًا، يُشَكِّلانِ داخِلَ الرَّحِمِ وحدَةً لا تَنفَصِم، وإلاّ ماتَ الجَنينُ وانتَهَى الحَمْل... إنَّها مُضْغَةٌ واحِدَةٌ مُخَلَّقَةٌ وغَيرُ مُخَلَّقَةٍ في الوَقتِ نَفسِه.
ونوَضِّحُ لكمْ ذلكَ لتَذكُروا دَقائقَ خَلقِ الله، وعَظيمَ قُدرَتِهِ وإبداعِهِ في إنشَاءِ خَلقِهِ وأطوَارِ خَلقِهم، ونُبقِي في أرحَامِ الأمَّهاتِ ما نشَاءُ أنْ نُبقِيَهُ حتَّى يَضَعْنَه. فإذا لم نَشأ ذلكَ أسقَطنَهُ قَبلَ إتمامِ مَوعِدِ الحَمْل.
ثمَّ نُخرِجُكمْ مِنَ الأرحامِ طِفلاً لا حيلَةَ له.
ثمَّ تَكبَرونَ وتَقوَى أجسامُكمْ وتَكتَمِلُ حَواسُّكم، ومنكمْ مَنْ يَموتُ قَبلَ أنْ يَشتَدَّ عُودُه، ومنكمْ مَنْ يَكبَرُ حتَّى يَصيرَ شَيخًا هَرِمًا، فيَضعُفُ عَقلُهُ وقوَّتُهُ حتَّى لا يَعلمَ شَيئاً بعدَ عِلمٍ كثيرٍ وخِبرَةٍ ومِراس!
فهذا كُلُّهُ منْ تَدبيرِ اللهِ وأمرِه.
وترَى الأرضَ يابِسَةً قاحِلَةً لا نَباتَ فيها ولا شَجَر، فإذا أنزَلنا المطَرَ وسُقِيَتْ به، تحرَّكَ نَباتُها وانبَعَثَتْ فيها الحياةُ وانتَفَخَتْ وارتَفعَت، وأخرَجَتْ مِنْ كُلِّ صِنفٍ حسَنٍ ما يُوحي بالحَياةِ والحرَكَةِ ويَسُرُّ النَّاظِرين.