والمهاجِرونَ الذينَ تَركوا أموالَهمْ وأهليهِم، وسَكنوا المدينةَ المنوَّرةَ مُنقطِعينَ إلى اللهِ ورسولِه، يَبتغونَ نُصرةَ الإسلامِ والجهادَ في سبيلِ الله، ولا يَجدونَ ما يُغنيهم، ولا يَستطيعونَ سَفراً للتجارةِ والتكسُّب، فهمْ على أُهبَةٍ إذا نُوديَ للجِهاد.
ومعَ ما همْ فيهِ مِنْ فَقرٍ وحاجة، يَظنُّ مَنْ لا يَعرِفُ حقيقةَ حالِهمْ أنَّهمْ أغنياءُ مَكفيُّونَ في المعَاش، مِنْ تَعفُّفِهمْ في لباسِهمْ وحالِهمْ ومَقالِهم، فيَتجمَّلونَ ظاهراً حتَّى لا يُعرَفوا ولا تَظهرَ حاجتُهم، لكنَّ اللبيبَ ذا البصيرةِ يُدركُ ما وراءَ هذهِ الحال، ويَعرِفُ أنَّ هذا العَفافَ يُخفي فَقراً واستِكانَة.
وإذا بدا لبَعضِهمْ أنْ يَطلبوا شيئاً فلا يُلِحّونَ في المسألة، ولا يُكلِّفونَ الناسَ ما لا يَحتاجونَ إليه. إنَّهمْ فقراءُ كِرامٌ بَرَرة، ذَوو حَياءٍ وتَجُلُّدٍ وصَبر، ودِيْنٍ قَويمٍ وخُلق، فلا تنسَوا هؤلاءِ أيُّها المؤمِنون، وإذا أعطَيتُموهمْ شيئاً فليكنْ ذلكَ في سرٍّ وتَلطُّف، لا يَخدِشُ إباءَهم ولا يَجرَحُ كرامتَهم.
وإنَّ ما تُنفقونَهُ مِنْ مالٍ عَليهمْ لا يَخفَى على اللهِ منهُ شَيء، ولا يَضيعُ عندَهُ الخَير، ولسوفَ يَجزي عليهِ أوفرَ الجزاءِ وأوفاه.