ومِنْ آياتِكَ العَظيمةِ في الطبيعةِ رَبَّنا، أنْ تجعلَ حركةَ الضياءِ والظُّلمةِ على ما يَراهُ الإنسانُ منْ إعجاز، فتَجعلُ الضياءَ في النهارِ وتقلِّلُ منهُ حتَّى يَدخُلَ في ظُلمةِ المساءِ الخفِيفَة، ثمَّ يأتي الظلامُ فتَخِفُّ ظُلمتُهُ شَيئاً فشَيئاً ويَدخلُ في نورِ النهار، وتأخذُ منْ طولِ النهارِ لتَزيدَهُ في قِصَرِ الليلِ حتَّى يَعتدلا، ثمَّ العكس، حتَّى تَكتمِلَ دَورةُ الفصول.
وأنتَ الذي تُخرِجُ الحيَّ منَ الميِّت، وتُخرِجُ الميِّتَ منَ الحيّ، فتُخرِجُ الحبوبَ منَ الزُّروعِ والزُّروعَ منَ الحبوب، وتُخرِجُ الدجاجةَ منَ البيضةِ والبيضةَ منَ الدجاجة، وتُمِيتُ أشياءَ لتَكونَ مادَّةً لحياةٍ أخرَى في الإنسانِ والكَون، وهكذا في حركةٍ دائمة، لا يدَّعي أحدٌ أنَّهُ قادرٌ على مثلِها، ولا يَقولُ عاقلٌ إنَّهُ مصادَفةٌ مِنْ غَيرِ تَدبيرٍ وتَقدير.
وإذا عَرفَ الإنسانُ أنَّ كلَّ ما في الكونِ مُلْكٌ لله، وأنَّ ما يَجري فيهِ مِنْ عِزٍّ وذُلٍّ، وحياةٍ ومَوت، بمشِيئتِهِ وتَقديرِه، فليَعلمْ أنَّهُ هوَ وحدَهُ الذي يَرزُقُ مَنْ يَشاءُ بما يَشاء، فلا أحدَ يَستطيعُ أنْ يمنعَ نِعَمَهُ مِنْ أحَد، ولا أنْ يُعطيَ مَنْ يَمنعُه، فهوَ صاحبُ المشيئةِ والإرادة، وهوَ العادلُ الذي لا يَظلِم.