لقدْ ألزمَهمُ اللهُ الذلَّةَ والمَهانةَ أينَما كانوا، وصارَ هذا مُلازِماً لهمْ حتَّى استكنَّ في مشاعرِهم، ولنْ يَجدوا راحةً ولا استِقراراً إلاّ بذِمَّةٍ منَ الله، وهوَ أنْ يَكونوا ذِمِّيينَ في الدولةِ الإسلامية، يُلزَمونَ بدفعِ الجِزيَة، أو بعهدٍ منَ الناس، كأمانٍ منهمْ لهم، أو مُعاهداتٍ بينهمْ وبينَ دُوَلٍ كبرَى يَتقوَّونَ بها.
لقدْ تَلبَّسوا بغَضَبِ اللهِ وأُلزِمُوا به، فلا يُغادرُهمْ ولا يَنفكُّ عنهم. وسببُ هذا الذلِّ المكتوبِ عليهمْ والغَضَبِ الذي يُلازمُهم، هوَ أنَّهمْ كانوا يَرفُضونَ اتِّباعَ الحقِّ مهما كانَ واضِحاً وقويّاً، ويَكفرونَ بالحُجَجِ والمُعجِزاتِ وهمْ يَرونَها عِياناً، وزَادوا على ذلكَ جَريمةً لا يَرتكبُها إلاّ أكبرُ مُجرِمي البشرِ وأشقاهُم، وهوَ قتلُ الأنبياء، أصفَى البشَرِ وأنقاهُمْ سَريرة، وأحسنُهمْ خُلُقاً، وأعظمُهمْ قَدْراً، قَتلوهُمْ بدونِ أيِّ مُبَرِّر، وبدونِ أيِّ حَقّ، بلْ هَكذا سَوَّلتْ لهمْ نفوسُهمُ السيِّئةُ وقُلوبُهمُ السَّوداء؛ عِناداً وتكبُّراً وحَسَداً. فالذي دفَعهمْ إلى كلِّ هذهِ الجرائمِ هوَ عِصيانُهمُ المستَمِرُّ لأوامرِ الله، واعتدَاؤهم وظلمُهم.