ويَحْرُمُ عليكمُ الزَّواجُ بالنِّساءِ ذواتِ الأزواج، إلاّ ما مَلكتُموهنَّ بالسبي، فيجوزُ لكمْ وَطؤهنَّ ولو كانَ لهنَّ أزواجٌ في دارِ الحرب، بعدَ استِبرائهنّ، وهوَ انقضاءُ عِدَّتهنّ، لأنَّ بالسَّبي يَرتفِعُ النكاحُ بَينهنَّ وبينَ أزواجِهنَّ السابِقين. وهذا التحريمُ كتبَهُ اللهُ عليكمْ فالتَزِموا شَرْعَه.
وأحَلَّ اللهٌ لكمْ عدا مَنْ ذُكِرْنَ مِنَ المحارِم.
قالَ صاحبُ "روحِ المعاني": وفي إيثارِ اسمِ الإشارةِ (ذلكمْ) على الضَّمير، إشارةٌ إلى مشاركةِ مَنْ في معنَى المذكوراتِ للمذكوراتِ في حُكمِ الحُرمة.
يَعني ما حرَّمَهُ اللهُ على لسانِ نبيِّهِ منْ عدمِ الجمعِ بينَ الزوجةِ وعمَّتِها، وبينَها وبينَ خالتِها.
وقالَ الفخرُ الرازيُّ في تفسيرِه: ثَبتَ في أصُولِ الفقهِ أنَّ ذِكْرَ الحُكمِ معَ الوَصفِ المناسِبِ لهُ يَدلُّ بحسَبِ اللفظِ على كونِ ذلكَ الحُكمِ معلَّلاً بذلكَ الوَصف، فثبتَ أنَّ قولَهُ: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} يَدلُّ على كونِ القَرابةِ القَريبةِ مانِعةً منَ الجمعِ في النِّكاح، وهذا المعنَى حاصلٌ بينَ المرأةِ وعمَّتِها أو خالتِها، فكانَ الحُكمُ المذكورُ في الأختَينِ مذكوراً في العمَّةِ والخالةِ مِنْ طريقِ الدَّلالة، بلْ هاهنا أولَى، وذلكَ لأنَّ العَمَّةَ والخالةَ يُشبِهانِ الأمَّ لبِنتِ الأخِ ولبِنتِ الأخت، وهما يُشبِهانِ الولدَ للعَمَّةِ والخالَة، واقتِضاءُ مثلِ هذهِ القَرابةِ لتركِ المضارَّةِ أقوَى منِ اقتِضاءِ قَرابةِ الأُختيَّةِ لمنعِ المضارَّة، فكانَ قولهُ تعالَى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مانعاً منَ العمَّةِ والخالَةِ بطريقِ الأَولى...
وقالَ مِنْ بعد: وإذا عرفتَ هذا فنقول: قولهُ: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} المرادُ منهُ ما وراءَ هؤلاءِ المذْكورات، سواءٌ كنَّ مَذكوراتٍ بالقَولِ الصَّريح، أو بدلالةٍ جَليَّة، أو بدلالةٍ خَفيَّة، وإذا كانَ كذلكَ لم تَكنِ العَمَّةُ والخالَةُ خارِجةً عنِ المذْكورات.
قلت: لعلَّهُ يُفهمُ منْ كلامِ الرازيِّ أنَّ الآيةَ مُجْمَلةٌ والحديثُ مبيِّنٌ لها، بينَما أفادَ ابنُ الجوزيِّ أنَّها على عُمومٍ خَصَّهُ الحديث. والنتيجةُ واحِدة.
قالَ ابنُ الجوزيِّ في "نواسخِ القرآن": هذا عندَ عمومِ العلماءِ لَفظٌ عامٌّ دَلَّهُ التَّخصِيصُ بنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُنكَحَ المرأةُ على عمَّتِها وعلى خالَتِها.
وأوردَ الرَّازيُّ أدلَّةً أخرَى في الموضوع، وأصنافاً أخرَى منَ التحريمِ في طُروءِ حالات... تُنْظَرُ في تَفسيرِه، وفي تَفسيرِ القرطبيّ.
فاطلُبوا الزَّواجَ بأموالِكمْ حتَّى أربَع، أو ما شِئتُمْ منَ الجَوارِي السَّرارِي، بالطَّريقِ الشرعيّ، مُتَعَفِّفِين، غيرَ زانِين.
فإذا تزوَّجتُمْ وسامَحتْكمُ الزوجاتُ في الصَّدَاق، أو وَضَعْنَ لكمْ منهُ شَيئاً، فلا بأسَ عليكمْ وعَليهنَّ في ذلك.
واللهُ عليمٌ بما يَصْلُحُ لكمْ في أمورِ الزَّواج، حَكيمٌ فيما شَرَعَهُ لكمْ منَ التحليلِ والتحريمِ فيه.