ألا تَنظرُ أيُّها النبيُّ إلى بعضِ المسلِمينَ الذينَ طُلِبُ منهمْ أنْ يَكُفُّوا عنْ قِتالِ المشرِكينَ ويَعفوا عنهمْ عندَما كانوا ضُعفاءَ بمكَّة، وقيلَ لهمْ وقتَها: قُومُوا بواجبِكمْ في الطَّاعةِ وجِهادِ النَّفس، فأقِيموا الصَّلاةَ بِخُشوع، وأعطُوا الزكاةَ لتواسُوا بها الفُقَراءَ والمسَاكينَ، لكنَّهمْ كانوا يَطلبونَ منكَ أنْ تأذنَ لهمْ بقِتالِ المشرِكين؛ لِما يَلقَونَ منهمْ منَ الأذَى.
ولما قَوُوا وفُرِضَ عليهمُ الجِهاد، وطُلِبَ منهمْ مُقاتَلةُ الكفّار، إذا فريقٌ منهمْ يَخشَونَهمْ كما يَخشَونَ اللهَ أنْ يُنْـزِلَ بهمْ بأسه، أو أكثَر، وذلكَ لِما أصابَهمْ مِنْ خَوفٍ وجَزَع - والمسلمونَ مُتفاوِتونَ في قوَّةِ الإيمان، وفي لقاءِ الأعداء - وقالَ أولئكَ الخائفون: ربَّنا لمَ فَرضتَ علينا القِتالَ الآن، فلَو أخَّرتَ فَرْضَهُ إلى وقتٍ آخَرَ لكانَ أفضَل، ففيهِ سَفكٌ للدِّماء، ويُتْمٌ للأبناء، وتأيُّمٌ للنِّساء...
قُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: إنَّ جميعَ ما يُستَمتَعُ بهِ في الدُّنيا هوَ قليلٌ جدّاً نسبةً إلى الثَّوابِ المتَرتِّبِ على الأعمالِ الطيِّبةِ في الآخِرة، ومنها الجِهادُ في سبَيلِ الله، فالآخِرةُ لمنْ جاهدَ واتَّقَى خيرٌ منَ الدُّنيا ومَتاعِها القَليل.
ولنْ تُظلَموا فيما تُؤدُّونَهُ مِنْ أعمال، ولا تُنقَصونَ مِن ثوابِها أدنَى شيء، ولو مِقدارَ الخيطِ الذي في شِقِّ النَّواة، وكلَّما كثُرَتْ وعَظُمَتْ زادَ ذلكَ مِنَ الأجر، فلا تَرغَبُوا عنِ القِتال، ودَعُوا الدُّنيا وغُرورَها، وأقبِلوا على ما يُهَنِّئكمْ في الآخِرَة، فهيَ خيرٌ لكم.