أينما وُجِدتُمْ فإنَّ مصيرَكمْ إلى الموت، فلا بدَّ لكمْ منه، ولو كنتُمْ في قُصورٍ عاليَةٍ رفيعة، ومَنيعةٍ حَصينة، فلا يُغني حَذَرٌ وتَحَصُّنٌ عنِ الموت، إنْ جاهدتُمْ أو لم تُجاهدوا، فإنَّ الأجلَ مَحتوم، وكلُّ نَفسٍ ذائقةُ الموت.
وإذا بُسِطَ لهمُ الرِّزقُ وجاءَتهمُ الثِّمارُ والزُّروع، والنَّعيمُ والرَّخاء، قالوا: هذا مِنْ عندِ الله، وإذا أُصِيبوا ببَليَّة، مِنْ جَدْبٍ وغَلاءٍ، ونَقصٍ في الثِّمار، أو مَوتِ أولادٍ أو غَيرِ ذلك، قالوا للرسُولِ صلى الله عليه وسلم: هذا جاءَنا مِنْ قِبَلك، لأنَّنا اتَّبعناكَ واقتدَينا بدينِك! وكما قال سبحانَهُ في مثلِ ذلك: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} [سورة الأعراف: 131]. وهكذا كانَ المنافِقون، إذا أصابَهم الشرُّ أسنَدوهُ إلى اتِّباعِهمْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
قلْ لهمْ أيُّها الرسُول: كلٌّ مِنْ عندِ الله، فالحسَنةُ والسيِّئة بقضاءِ اللهِ وقدَره، والنِّعمَةُ والبَليَّةُ مِنْ عندِه، وقَضاؤهُ ماضٍ في البَرِّ والفاجِر، ونافِذٌ في المؤمنِ والكافر، فما لهؤلاءِ القَومِ مِنَ اليهودِ والمنافِقينَ قدِ ابتُلوا بقلَّةِ الفَهمِ والعِلم، وكثرةِ الجَهلِ والظُّلم، ولا يَكادونَ يَفهَمونَ كلاماً يُوعَظونَ به؟!