أيُّها المؤمِنون، إذا سافرتُمْ في الغَزو، فتَثبَّتوا وتَعرَّفوا جيِّداً لِما تُقْدِمُونَ عليهِ ممّا طُلِبَ منكم، واعرِفوا ماذا ستَفعلونَ وماذا ستَتركون، ولا تَتعجَّلوا في أمرٍ دونَ تَدبيرٍ ورَوِيَّة، ولا تَقولوا لمَنْ حيّاكمْ بتحيَّةِ الإسلام، أو استَسلمَ فأظهرَ الانقيادَ لِما دُعيَ إليهِ مِنَ الإسلام: لستَ مؤمناً، بلْ قلتَ ذلكَ لئلاّ أقتُلَكَ مثلَ بقيَّةِ المحارِبينَ المشرِكين. فهلْ تُريدُونَ مِنَ الإقدامِ على هذا العملِ دونَ تَثبُّتٍ عَرَضاً مِنَ الدُّنيا قَليلاً وحُطاماً يَنفَدُ بعدَ قليل؟ فإنَّ ما أعدَّهُ اللهُ لكمْ جزاءَ جهادِكمْ هوَ خيرٌ منْ هذا بكثِير.
وقد كانتْ حالُكمْ في وقتٍ ما مثلَ حالِ هؤلاءِ الآن، الذينَ يتَّقونَ بأسَكم، فكنتُمْ ضُعفاءَ تُخفُونَ إيمانَكمْ وتَخْشَونَ فِتنةَ المشرِكين، فلطَفَ اللهُ بكمْ وأنقذَكمْ منهم، فتثبَّتوا وتَحقَّقوا إذا أقدَمتُمْ على أمر، فإنَّكمْ أصحابُ رسالةٍ رَحيمة، ومَسؤولونَ عمّا وُكِّلَ بكمْ مِنْ أعمَال، واللهُ مطَّلعٌ على أعمالِكمُ الظاهرةِ والخفيَّة، فيُجازيكمْ بها ويُحاسبُكمْ عليها، فلا تَتهاونوا في الأمورِ واحتاطُوا.
وفيها بيانُ صِحَّةِ إيمانِ مَنْ أظهرَ الإسلام، وإنْ كانَ في الباطنِ على خِلافِه، حيثُ أُمِرَ المسلِمون بإجرائهِ على أحكامِ المسلِمين.