أيـُّها الرسُولُ الكرِيم، لا تَتحَسَّرْ على هؤلاءِ الذينَ لا يَجدونَ فُرصةً للكفرِ إلاّ سارَعوا إليهِ وناصَروا أهلَه، وهمُ المنافِقونَ الذينَ يُظهِرونَ الإيمانَ بألسنتِهم، ولكنَّ قلوبَهمْ خاويةٌ منه، وكذا اليَهود، الذينَ يُسارِعونَ إلى ذلك.
إنَّهمْ جميعاً يَقبَلونَ الكذب، ويُبالِغونَ في قَبولِ كلامِ آخَرينَ لا يأتونَ مجلِسَك، حُبًّا ومُوالاةً لهم. ومِنْ صِفاتِهمْ أيضاً أنَّهم يُحَرِّفونَ الكلامَ ويُبدِّلونَهُ معَ علمِهمْ بما هوَ حقٌّ منه، ويَقولون: إنْ أفتاكُمْ محمَّدٌ بهذا فاعمَلوا بموجبِه، وإنْ أفتَى لكمْ بغَيرهِ فاحذَروا قبولَه.
وقدْ نزلتْ في يهوديَّينِ زَنَيا، وكانوا يَعرِفونَ أنَّ التوراةَ تَقضي برَجمِهما، ولكنَّهمْ لم يعمَلوا بها، فاتَّفقوا أنْ يَقبلوا حُكمَ الرسُولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إنْ كانَ دونَ الرَّجْم، فاستَفسَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهمْ عنِ الحكمِ في التَّوراة، فقالوا: إنهُ الجَلْد، ومازالَ بهمْ حتَّى اعترفَ أحدُهمْ بأنَّهُ الرَّجْم، فحَكمَ بذلك.
وإذا أرادَ اللهُ إضلالَ أحَدٍ أو إهلاكَه، فلنْ تَقدِرَ على دفعِ أمرِه، واللهُ لا يُريدُ تَطهيرَ قلوبِهمْ مِنْ رجسِ الكُفرِ وخُبثِ الضَّلالة؛ لفسادِ نيّاتِهم وشُرورِ ما في أنفسِهم، ولتكذيبِهمُ الحقَّ وإيثارِهمُ الباطلَ عليه!
ولهمْ في الدُّنيا عارٌ وفَضِيحة، كإظهارِ نِفاقِ المنافِقين، وخِزي اليهودِ بضَربِ الجِزيةِ عليهم، وقتلِهمْ ونَفيهم، ولهمْ جميعاً في الآخِرَةِ عَذابٌ هائلٌ دائمٌ لا يَنقَطع.