إنَّهمُ اليَهود، المُكثِرونَ مِنْ قَبولِ الكذِب، والمُكثِرونَ منْ أكلِ الحَرام، كالرِّشا وغَيرِها. فإذا جاؤوا إليكَ في قَضيَّةٍ لتحكمَ بينَهم، فاحكمْ بينَهمْ بما أراكَ الله، أو اترُكْهُمْ غيرَ مُكتَرِثٍ بهم، فإنَّهمْ لا يَقصِدونَ بتحاكُمِهمْ إليكَ اتِّباعَ الحقّ، بلْ ما وافقَ هواهُم.
وإذا أعرضتَ عنهمْ فلنْ يَضرُّوكَ بشَيء، واللهُ يَحفظُكَ منْ ضرَرِهم.
وكانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم مخيَّراً في أوَّلِ أمرِه، ثمَّ أُمِر بإجراءِ الأحكامِ عليهم، في قولهِ تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ...} [سورة المائدة: 49]، فلزِمَهُ الحُكمُ وزالَ التَّخيير. فالآيةُ بذلكَ تكونُ منسوخة.
وذهبَ الإمامُ أحمدُ إلى أنَّها غَيرُ مَنسوخَة، فالحاكِمُ بالخِيارِ إذا ارتفعَ إليهِ أهلُ الذمَّة.
وإذا حكمتَ بينهمْ فليَكنْ حُكمُكَ بالحقِّ والعَدلِ الذي أُمِرْتَ به، وهوَ ما تَضمَّنَتْهُ شريعةُ الإسلام، وإنْ كانوا همْ ظَلَمَةً أعداء، مُفتَرينَ غيرَ عادِلين. واللهُ يُحِبُّ العادلينَ في أحكامِهم، ويَرفعُ شأنَهم.