إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها... - سورة المائدة الآية 44

  1. الجزء السادس
  2. سورة المائدة
  3. الآية: 44

﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا التَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّـٰنِيُّونَ وَالۡأَحۡبَارُ بِمَا اسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ النَّاسَ وَاخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡكَٰفِرُونَ﴾

[المائدة:44]

تفسير الآية

إنّا أنزلنا التوراةَ فيها هِدايةٌ للنَّاس، ونورٌ يُبيِّنُ الحقّ، ويوضِّحُ للناسِ ما يحتاجونَ إليهِ منْ أحكامٍ ومُعامَلاتٍ وسُلوك، يَحكمُ بها الأنبياءُ مِنْ لَدُنْ موسَى حتَّى عيسَى عليهمُ الصلاةُ والسلام - وهمْ كُثر -، الذينَ أسلموا وجوهَهمْ لله، وسَلكوا طريقَ الهِدايةِ والصَّلاحِ كما طَلبَ منهمْ ربُّهم، وحكَموا بالتوراةِ لأجلِ اليهودِ وفيما بينَهم. وما كانوا يَخرجونَ عنْ حُكمها، ولا يُبَدِّلونَها ولا يُحَرِّفونَها، وكذلك العُبّادُ والعلماءُ منهمْ بما وُجِّهوا منْ قِبَلِ الأنبياء، ليُظهِروها ويَعملوا بها ويَحفَظوها منَ التَّغييرِ والتَّبديل، ولا يُخِلُّوا بأحكامِها، وكانوا حُفّاظاً رُقباءَ عليها. ثمَّ حَرَّفتِ اليهودُ الكثيرَ منها.

فلا تَخافوا الناس، وخافونِ، فإنَّ النفعَ والضُّرَّ بيَدي. ولا تَستبدِلوا بآياتي حُظوظاً دُنيويَّةً تافِهةً عنْ طريقِ الرشوةِ والجاهِ وما إليه، ومَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ مِنَ الأحكامِ فإنَّهمْ منَ الكافِرين.

قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهما: مَنْ جَحدَ ما أنزلَ اللهُ فقدْ كفَر، ومَنْ أقرَّ بهِ ولم يَحكمْ فهوَ ظالِمٌ فاسِق.

وصحَّحَ الحاكمُ قولَ ابنِ عبّاسٍ في الآية: إنَّهُ ليسَ بالكُفرِ الذي يَذهبونَ إليه، إنهُ ليسَ كُفراً يَنقلُ مِنَ الملَّة، كُفرٌ دونَ كُفر.

قلت: هوَ توضيحٌ لجانبٍ مِنْ قولهِ السَّابق: مَنْ أقرَّ بهِ ولم يَحكمْ فهو ظالمٌ فاسق.

وبعدَ أنْ ذكرَ ابنُ جَريرٍ الطبريُّ أنَّ الآيةَ نَزلتْ في أهلِ الكتابِ خاصَّة، قال: وكذلكَ القولُ في كلِّ مَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ جاحِداً به، هوَ باللهِ كافر، كما قالَ ابنُ عباس؛ لأنَّهُ بجحودهِ حُكْمَ اللهِ بعدَ علمهِ أنَّهُ أنزلَهُ في كتابِه، نظيرُ جُحودهِ نبوَّةَ نبيِّهِ بعدَ علمهِ أنَّهُ نَبيّ.

قلتُ: ومثلهُ مَنْ استَهزأ بشَريعَةِ الإسلامِ وأحكامِها، أو زعمَ أنَّها لا تَصْلُحُ للحُكم.

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون