تفسير الجزء 21 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الحادي والعشرون
21
سورة العنكبوت (46-69)
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب (1-30)

﴿فَـَٔاتِ ذَا الۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَالۡمِسۡكِينَ وَابۡنَ السَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ اللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الروم:38]


فأعطِ الأقرِباءَ حَقَّهمْ مِنَ الصِّلَةِ والصَّدَقَة، والمِسكينَ الذي لا مالَ عِندَه، وابنَ السَّبيلِ الذي سافرَ واحتاجَ إلى نفَقَة، فهذا أفضَلُ لمَنِ يَبتَغونَ الثَّوابَ مِنَ الله، ويُخلِصونَ في الإنفَاقِ لوَجهِهِ الكَريم، وهُمْ بذلكَ منَ الفَائزين.

﴿وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ النَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ اللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ اللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُضۡعِفُونَ﴾ [الروم:39]


وإذا أعطَيتُمْ عَطيَّةً تُريدونَ بها أنْ يُرَدَّ عَليكمْ بأكثرَ ممَّا أهدَيتُموهُ، فلا ثَوابَ عَليها عندَ الله، وإنْ كانَ جائزًا. وإذا أعطيتُمْ صدَقَةً تَبتَغونَ بها وَجهَ الله، فأولئكَ الذينَ يَقبَلُ اللهُ منهم، ويُضاعِفُ لهمُ الثَّواب.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [الروم:40]


اللهُ الذي خلقَكمْ ولا قُدرةَ لكمْ على الكَسب، وأعطاكمُ السَّمعَ والبصرَ وسائرَ الأعضاءِ والحَواسّ، ورزقَكمْ مِنَ الأموَالِ والأنعَامِ والزُّروع، ثمَّ يُميتُكمْ فلا يَمتَنِعُ أَحَدٌ منكمْ عَليه، ثمَّ يُحييكُمْ بعدَ المَوتِ ويَبعَثُكمْ مِنْ قُبورِكم، فهلْ مِنْ أصنامِكمُ التي تزعُمونَ أنَّها آلِهَةٌ مَنْ يَقدِرُ على فِعلِ شَيءٍ مِنْ ذلك؟ لا يَستَطيعُ أحَدٌ أنْ يَفعلَ ذلك، لا أنتُمْ ولا أصنامُكم، فاللهُ هوَ المُستَقِلُّ بالإحياءِ والإماتَة، وهوَ القادِرُ على كُلِّ شَيء، فتعالَى وتقدَّسَ أنْ يَكونَ لهُ شَريك.

﴿ظَهَرَ الۡفَسَادُ فِي الۡبَرِّ وَالۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾ [الروم:41]


ظهرَ الفسادُ، مِنَ المَعاصي وقَطْعِ الطَّريقِ والظُّلمِ والمُنكراتِ وغَيرِها، في البَرِّ، وفي المدُنِ والقُرَى التي على الأنهَارِ والبِحار، بسبَبِ ذُنوبِهمْ وجرَائمِهم، ولَيُعاقِبَنَّهمُ اللهُ على فسَادِهمْ بابتِلائهم، بنَقصِ الأموَالِ والأنفُسِ والثمَرات، لعلَّهمْ بذلكَ يَرجِعونَ عنْ أعمالِهمُ السَّيِّئة.

﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَانظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبۡلُۚ كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّشۡرِكِينَ﴾ [الروم:42]


قُلْ أيُّها الرَّسُولُ الكريم: سِيروا في الأرضِ واقرَؤوا التَّواريخ، وانظُروا في الآثار، واستَمِعوا إلى القَصَصِ والأخبار، لتَعلَموا كيفَ كانتْ عاقِبَةُ الذينَ مِنْ قَبلِكم، كانَ أكثَرُهمْ مُشرِكين، فأهلكَهمُ اللهُ وأذاقَهمْ سُوءَ العاقِبَة، جزاءَ تَكذيبِهمْ رسُلَ رَبِّهم، وإصرارِهمْ على الكفرِ والظُّلمِ والإفسَادِ في الأرْض.

﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ الۡقَيِّمِ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ اللَّهِۖ يَوۡمَئِذٖ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم:43]


فسَدِّدْ وجهكَ نحوَ دِينِ اللهِ المستَقيمِ وامضِ فيه، قَبلَ أنْ يأتيَ يَومُ القِيامَة، الذي لا يَستَطيعُ أحَدٌ على رَدِّه، لأنَّهُ بأمرِ اللهِ سُبحانَه، يَومَئذٍ يتفَرَّقُ النَّاس، فَريقٌ في الجنَّة، وفَريقٌ في النَّار.

﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِأَنفُسِهِمۡ يَمۡهَدُونَ﴾ [الروم:44]


مَنْ جحَدَ آياتِنا وكفرَ بنِعَمِنا، فعَليهمْ وَبالُ كُفرِهمْ وتَكذيبِهم، وهوَ العَذابُ المؤبَّدُ في النَّار، ومَنْ أطاعَ اللهَ وعَمِلَ الأعمَالَ الصَّالِحَة، فلأنفُسِهمْ يَستَعِدُّون، ولِجنَّاتِ النَّعيمِ يتهيَّؤون.

﴿لِيَجۡزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الروم:45]


ليُثِيبَ اللهُ مَنْ آمنَ باللهِ وعَمِلَ صالِحًا(106) أكثرَ مِنْ ثَوابِ أعمالِهم، ويَجزيَهمْ أضعَافَ حسَناتِهم، فهوَ سُبحانَهُ يُحِبُّ المؤمِنين، ويَبغُضُ الكافِرين، ولكنَّهُ يَعدِلُ فيهمْ فلا يُعَذِّبُهمْ بأكثرَ ممَّا يَستَحِقُّون.

(106) {وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} يقول: وعملوا بما أمرهم الله. (الطبري)، وهي ما أريدَ به وجهُ الله تعالى ورضاه. (روح البيان).

﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ الۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الروم:46]


ومِنْ حُجَجهِ الدالَّةِ على قُدرَتِه، أنْ يُرسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّرَةً بالمَطَر، ليُصيبَكمْ مِنْ رَحمَتِه، فيُغيثُ بهِ العِبادَ والبِلاد، مِنَ الرِّيِّ والخِصْبِ والنَّماء، ولِتَجريَ السُّفُنُ في البَحرِ عندَ هُبوبِها بأمرِه، ولتَطلبُوا مِنْ رِزقِهِ بالكَسبِ والتِّجارَةِ في البَرِّ والبَحر، ولِتَشكروا ربَّكمْ على هذهِ النِّعَم.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِالۡبَيِّنَٰتِ فَانتَقَمۡنَا مِنَ الَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الروم:47]


وكما أرسَلناكَ إلى قَومِك، فقَدْ أرسَلنا مِنْ قَبلِكَ رسُلاً كثيرينَ إلى أقوامِهم، فجَاؤوهمْ بالمُعجِزاتِ الواضِحات، والبراهينِ القاطِعات، الدالَّةِ على صِدقِهمْ وصِحَّةِ رِسالَتِهم، كما جِئتَ قَومَكَ بالبيِّنات، فمِنهمْ مَنْ آمنَ بهمْ ومِنهمْ مَنْ كذَّبَهم، فانتقَمنا مِنَ الذينَ كذَّبوهمْ وخالَفوهمْ وعَذَّبناهم، وكانَ حقًّا عَلينا أنْ نَنصُرَ المؤمِنينَ ونَنتَقِمَ مِنْ أجلِهم، ونُنقِذَهمْ مِنَ العَذاب.

﴿اللَّهُ الَّذِي يُرۡسِلُ الرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي السَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى الۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الروم:48]


اللهُ سُبحانَهُ هوَ الذي يَبعَثُ الرِّياح، فتُحَرِّكُ السَّحابَ وتَنشُرُه، فيَمُدُّهُ ويَبسُطُهُ في الجَوِّ بَسْطًا، مُتَّصِلاً تارَةً وقِطَعًا مُتفَرِّقَةً تارَة، فترَى المطَرَ بعدَ ذلكَ يَنزِلُ مِنْ بَينِه، فإذا أنزَلَهُ على مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه، إذا همْ يَفرَحونَ بهِ ويُسَرُّون.

﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡهِم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمُبۡلِسِينَ﴾ [الروم:49]


وقدْ كانوا مِنْ قَبلِ أنْ يَنزِلَ عَليهمُ المطَرُ آيسِينَ مِنْ نُزولِه، فما كانوا قادِرينَ على أنْ يَفعَلوا شَيئًا، وما كانوا يَجِدونَ مُقَدِّماتِ المطَر، وقدْ ذهبَ وَقتُهُ أو كاد.

﴿فَانظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ اللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ الۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ الۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [الروم:50]


فانظُرْ إلى نَتيجَةِ نُزولِ المطَرِ الذي رَحِمَهمُ اللهُ به، كيفَ اهتزَّتِ الأرْضُ وانتعَشَتْ وأنبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهيج، بعدَ أنْ كانتْ يابِسَةً قاحِلَةً لا حَياةَ فيها، إنَّ الذي أحيَا الأرْضَ بعدَ مَوتِها، قادِرٌ على إحيَاءِ البشَرِ بعدَ مَوتِهم، وهوَ قادِرٌ على هذا وعلى كُلِّ شَيء، {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة غافر: 68].

﴿وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ﴾ [الروم:51]


وإذا أرسَلنا ريحًا يابِسَةً على زَرعِهمْ فأفسَدَتْه، ورأَوهُ أصفرَ مَيتًا بعدَ استِواءٍ واخضِرار، ضَجِروا وحَنِقوا وأنكَروا ما سبَقَ أنْ أنعَمنا عَليهمْ مِنَ النِّعَمِ والخَيرات.

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ الۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ﴾ [الروم:52]


فإنَّكَ لا تُسمِعُ مَنْ كانَ مَيِّتَ القَلبِ بتِلاوَةِ آياتِ القُرآنِ وكلامِكَ المؤثِّر، فهُمْ لا يَفقَهُونَ ولا يَعُونَ ما تَقول، ولا تُسمِعُ مَنْ سَدَّ أُذُنَيهِ عنْ سَماعِ الحقّ، لأنَّهُمْ لا يُريدُونَ سمَاعَه، ولا يُريدُونَ أنْ يَنفُذَ إلى قُلوبِهم، فهمْ مُعرِضونَ عنْ رِسالَةِ الله، غَيرُ مُستَعدِّينَ لقَبولِها.

﴿وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ الۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [الروم:53]


ولا تَستَطيعُ أنْ تَهدِيَ عُمْيَ القَلبِ وتَصرِفَهُمْ عمَّا همْ فيهِ مِنْ ضَلال، أنتَ لا تُسمِعُ إلاّ الذينَ فتَحَوا قُلوبَهُمْ للإيمان، وصَدَّقُوا بأنَّ القُرآنَ مِنْ عندِ الله، فهؤلاءِ همُ الذينَ يَسمَعونَ حقًّا ما تَتلو عَليهمْ وما تُرشِدُهمْ إليه، لأنَّهمْ مُسلِمونَ مُخلِصونَ في إيمانِهم، مُنقادُونَ للحَقّ.

﴿۞اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ الۡعَلِيمُ الۡقَدِيرُ﴾ [الروم:54]


اللهُ الذي خلقَكمْ مِنْ نُطفَةٍ ضَعيفَة، ثمَّ جعلَكمْ تَتنَقَّلونَ في أطوارِ الخَلقِ حالاً بعدَ حال، فجعَلَكمْ بعدَ ضَعفِ النُّطفَةِ والطُّفولَةِ شَبابًا ورِجالاً ذَوي قوَّةٍ وبَأس، ثمَّ جعلَكمْ مِنْ بَعدِ قوَّتِكمْ تَنحَدِرونَ إلى الضَّعفِ والشَّيبَة، فتَضعُفُ هِمَّتُكم، وتَقِلُّ حركَتُكم، وتَختَلُّ صِحَّتُكم، وتَعودونَ ضُعفاءَ كما كنتُم. واللهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ كما يَشاء، وهوَ العَليمُ بتَدبيرِ خَلقِه، القَديرُ على ما يَشاء.

﴿وَيَوۡمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقۡسِمُ الۡمُجۡرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيۡرَ سَاعَةٖۚ كَذَٰلِكَ كَانُواْ يُؤۡفَكُونَ﴾ [الروم:55]


وعندَما تَقومُ القيامَةُ يَحلِفُ الكافِرونَ أنَّهمْ لم يَبقُوا في الدُّنيا أكثرَ مِنْ ساعَةٍ واحِدَة! ربَّما ليَقولوا إنَّهمْ لم يُعطَوا وَقتًا كافيًا حتَّى يُفَكِّروا في دِينِ الله! ومِثْلَ هذا الكَذِبِ كانوا يَكذِبونَ في الدُّنيا، ويَقولونَ لا بَعثَ بعدَ المَوت، ولا ثَوابَ ولا عِقاب...

﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡعِلۡمَ وَالۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ الۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ الۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الروم:56]


وقالَ لهمُ العُلماءُ مِنَ المؤمِنين: لقدْ بَقِيتُمْ في قَضاءِ اللهِ وحُكمِهِ مِنْ يَومِ خَلْقِكمْ في الدُّنيا إلى يَومِ البَعث، وهذا هوَ يَومُ البَعثِ الذي كنتُمْ تُوعَدونَ بهِ في الدُّنيا، ولكنَّكمْ كنتُمْ مُقَصِّرينَ في النظَرِ والتدَبُّر، مُعانِدينَ للرسُلِ ومُصرِّينَ على الكُفرِ والتَّكذيب، وما كنتُمْ مؤمِنينَ بالبَعثِ والحِسابِ على الأعمَال.

﴿فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ﴾ [الروم:57]


ففي يَومِ القيامَةِ لا يَنفَعُ الكافِرينَ اعتِذارُهمْ عنْ أعمالِهمُ السيِّئة، ولا يُنظَرُ إلى طلَبِهمْ برَفعِ العتَبِ واللَّومِ عنهمْ وإرجاعِهمْ إلى الدُّنيا ليَعمَلوا صالِحاً كما يَقولون، بلْ يُحاسَبونَ على كُلِّ ما عَمِلوا مِنْ قَبلُ.

﴿وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَلَئِن جِئۡتَهُم بِـَٔايَةٖ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُبۡطِلُونَ﴾ [الروم:58]


ولقدْ بيَّنَّا للنَّاسِ في هذا القُرآنِ الحقَّ وكرَّرناهُ بأنوَاعِ الخِطابِ والبَيان، وضرَبنا لهمْ فيهِ الأمثال، وسرَدنا لهمْ فيهِ القَصَصَ لنُقَرِّبَهُ إلى أفهامِهم، وليَتفَكَّروا فيهِ ويَتَّبِعوه، وإذا أتَيتَ لهؤلاءِ المشرِكينَ بدَليلٍ وحُجَّةٍ لقالُوا عِنادًا واستِكبارًا: هذا كَذِبٌ وباطِل!

﴿كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [الروم:59]


وهكذا يَختِمُ اللهُ على قُلوبِ الذينَ لا يَعلَمونَ دِينَ اللهِ ولا يتحَرَّونَ طلبَ الحقّ، ويستَهزِؤونَ برسُلِهِ وكتُبِه، ويُصِرُّونَ على ما هُمْ عَليهِ مِنْ كُفرٍ ومَعصيَة.

﴿فَاصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم:60]


فإذا عرَفتَ - أيُّها النبيُّ - أنَّ حالَهمْ هكذا، وأنَّهمْ جاهِلونَ إلى هذا الحَدّ، فاصبِرْ على مُخالَفَتِهمْ وعِنادِهم، إنَّ اللهَ ناصِرُكَ ومُنجِزُ ما وعدَكَ به، ولا يَحمِلنَّكَ على القلَقِ والتسَرُّعِ باطِلُ المُبطِلين، الذينَ لا يُؤمِنونَ بما تؤمِنُ بهِ مِنَ التَّوحيدِ والبَعثِ والحِساب.

سورة لقمان - مكية - عدد الآيات: 34

31

﴿الٓمٓ﴾ [لقمان:1]


الحروفُ المُقَطَّعَةُ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حَديثٌ صَحيح، واختلفَ المفسِّرونَ في مَعناها.

﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ الۡكِتَٰبِ الۡحَكِيمِ﴾ [لقمان:2]


هذهِ السُّورَةُ آياتٌ مِنَ القُرآنِ الناطِقِ بالحِكمَة، المُنْزَلِ مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبير.

﴿هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [لقمان:3]


هِدايَةً للقُلوب، وإرشادًا لها إلى الحَقِّ والسَّداد، ورَحمَةً لمَنْ أحسنَ العملَ واتَّبعَ الشَّرْع.

﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ الزَّكَوٰةَ وَهُم بِالۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ﴾ [لقمان:4]


الذينَ يُواظِبونَ على إقامَةِ الصَّلاةِ بأركانِها وشُروطِها وفي أوقاتِها، ويُعطُونَ الزَّكاةَ لمُستَحِقِّيها مِنَ الفُقراءِ ومَنْ في حُكمِهم، ويؤمِنونَ بالبَعثِ بعدَ الموت، والحِسابِ والجَزاء، والجنَّةِ والنَّار،

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُفۡلِحُونَ﴾ [لقمان:5]


أولئكَ المؤمِنونَ على نُورٍ وبَصيرَةٍ مِنَ الله، وعلى استِقامَةٍ وسَداد، وهمُ الذينَ أدرَكوا ما طلَبوه، وفازُوا بالثَّوابِ والخُلودِ في الجِنان.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ الۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6]


وبَعضُ النَّاسِ يُقبِلونَ على الحَديثِ الذي لا يُنْتَفَعُ بهِ ولا يُرضي الله، كالمُنكَرِ منهُ والباطِل، وكُلِّ ما شَغَلَ عنْ عِبادَةِ اللهِ وذِكرِه، منَ السَّهراتِ والمُضحِكاتِ والأدَبِ الماجِنِ والغِناءِ ونَحوِه، ليَصرِفُوا النَّاسَ عنْ دِينِ اللهِ الحَقِّ جَهلاً منهمْ بهِ وبعظَمَتِه، ويَستَهزِؤوا بالنَّهجِ المُستَقيمِ الذي رَضيَهُ اللهُ لعِبادِه، ويأخذُ بهمْ إلى السَّعادَةِ والنَّجاة، فأولئكَ لهمْ عَذابٌ مؤلِمٌ مُوجِع، معَ الذُّلِّ والهَوان، جَزاءَ إهانَتِهمُ الحَقَّ وإيثارِهمُ الباطِلَ عَليه.

﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَا كَأَنَّ فِيٓ أُذُنَيۡهِ وَقۡرٗاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [لقمان:7]


وهذا المُستَهزِئُ اللَّاهي إذا قُرِئتْ عَليهِ آياتُ القُرآنِ الكريم، أدبرَ عنها في تَكبُّرٍ واستِعلاءٍ ولم يَلتَفِتْ إليها، كأنَّهُ لم يَسمَعْها لصَمَمٍ فيه، وما بهِ صَمَم، فأَعلِمْهُ بمَصيرِهِ يَومَ القيامَة، وهوَ العَذابُ الشَّديدُ الدَّائم.