كانَ أبو عامرٍ الراهبُ (الكذّابُ) مِنَ الخَزْرَج، ترَهَّبَ في الجاهليَّة، وصارَ لهُ شرَفٌ عندَهم، فلمّا اجتمعَ المسلِمونَ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَسَدَهُ وعاندَه، وكانَ معَ المشرِكينَ يومَ أُحُد، ثمَّ التحَقَ بمَلِكِ الرومِ وأقامَ عندَه، ووَعدَهُ مُساعدَةَ قومِه، فأعلَمَ بعضَ أهلِ النِّفاقِ والرَّيبِ أنَّهُ سيَقدُمُ بجَيشٍ يُقاتِلُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأمرَهمْ أنْ يَبنوا مَعقِلاً يكونُ مَرصَدًا لهُ إذا قَدِمَ عليهم، فشَرَعوا في بناءِ مَسجدٍ مُجاورٍ لمسجدِ قُباء، فبَنَوهُ وأحكمُوه، وطلَبوا منْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يأتيَ ويُصلِّي فيه، ويَدعوَ لهم بالبرَكة، ليَحتَجُّوا بصَلاتهِ عليه الصلاةُ والسلامُ فيهِ على تَقريرِهِ وإثباتِه، فعصمَهُ اللهُ منْ ذلكَ بالوحي، وعندَ رُجوعهِ منْ غزوةِ تبوكَ أمرَ بهدْمِه... قالَ اللهُ تعالَى ما مَعناه: وهؤلاءِ القومُ الذينَ بَنَوا مَسجِدًا، بنَوهُ ليُلحِقوا الضَّررَ بالمسلِمين، وليَكْفُروا فيه، ويَتفَرَّقوا بهِ عنِ المسلِمينَ منْ أهلِ قُباء، الذينَ كانوا يُصَلُّونَ في مَسجِدِهم، وليَكونَ مَعقِلاً ومكانَ إرصَادٍ وترقُّبٍ لمَنْ عادَى اللهَ ورَسولَهُ مِنْ قَبل.
ويَحلِفُ هؤلاءِ القومُ أنَّهمْ ما أرادوا ببِناءِ هذا المسجدِ إلاّ النيَّةَ الصالحة، ليُعَمَّرَ بذكرِ الله، وللتوسِعةِ على المسلِمين، واللهُ يَشهَدُ أنَّهمْ كاذِبونَ فيما حَلَفوا فيهِ ونوَوا عليه.