لا تَسكُنوا إلى أهلِ الظُّلمِ ولا تَرضَوا بظُلمِهم، لا تَميلوا إلى الجَبّارينَ الطُّغاةِ الذينَ يَظلِمونَ عبادَ الله، ولا تَستَعينُوا بهم، ولا تَستَنِدوا إليهم، فتَكونوا كأنَّكمْ قدْ رَضِيتُمْ بأعْمالِهم، ويكونُ ركونُكمْ إليهمْ إقرارًا لهمْ على ما يُزاوِلونَهُ منْ ظُلمٍ ومُنكَر.
قالَ القاضي البيضاويُّ في تفسيرِه: لا تَميلوا إليهمْ أدنَى مَيل، فإنَّ الركونَ هوَ المَيْلُ اليَسير، كالتزَيِّي بزِيِّهم، وتَعظيمِ ذِكرِهمْ واستِدامَتِه. اهـ.
وقالَ صاحِبُ "روح المعاني": فما ظنُّكَ بمَنْ يَميلُ إلى الراسِخينَ في الظُّلمِ كُلَّ المَيل، ويَتهالَكُ على مُصاحَبتِهمْ ومُنادَمتِهم، ويُتعِبُ قَلبَهُ وقالَبَهُ في إدخالِ السُّرورِ عَليهم، ويَستَنهِضُ الرِّجْلَ والخَيلَ في جَلبِ المَنافِعِ إليهم، ويَبتَهِجُ بالتزَيِّي بزِيِّهم، والمُشارَكةِ لهمْ في غَيِّهم، ويَمُدُّ عَينَيهِ إلى ما مُتِّعوا بهِ مِنْ زَهرَةِ الدُّنيا الفانيَة، ويَغبِطُهمْ بما أُوتُوا مِنَ القُطوفِ الدانيَة، غافِلاً عنْ حَقيقَةِ ذلك، ذاهِلاً عنْ مُنتَهى ما هُنالِك!
قال: ويَنبَغي أنْ يُعَدَّ مِثْلُ ذلكَ مِنَ الذينَ ظَلَموا لا منَ الرَّاكنينَ إلَيهم، بِناءً على ما رُوِيَ أنَّ رَجُلاً قالَ لسُفيان: إنِّي أَخيطُ للظلَمَة، فهلْ أُعَدُّ مِنْ أعوانِهم؟ فقالَ له: لا، أنتَ منهم، والذي يَبيعُكَ الإبرَةَ مِنْ أعوانِهم! اهـ.
فإذا فَعَلتُمْ ذلكَ تُصيبُكمُ النارُ بسَبَبِه.
وليسَ لكمْ مِنْ دونِ اللهِ أنصارٌ يَمنَعونَ العَذابَ عنكمْ إذا قّدَّرَهُ عليكم، ولا تَجِدونَ مَعونَةً منْ عندِ اللهِ لإنقاذِكمْ مِنَ العَذاب، فقدْ سَبقَ في حُكمهِ تعالَى أنْ يُعَذِّبَكم؛ لمِيْلِكمْ إلى الظَّالمين...